في أثناء الثورة المصرية شاع استخدام كلمة "البلطجية" لوصف جماعات تمتهن العنف والفوضى استخدمها النظام المصري السابق لتفريق المتظاهرين وللقيام بتظاهرات مضادة مؤيدة لنظام مبارك، فحولوا المظاهرات السلمية إلى عمليات نهب وقتل وتخريب، ويلخص مشهد الجمال والخيول وهي تقتحم ميدان التحرير دور "البلطجية"، فهم أصحاب سوابق مجرمون يؤجرون عنفهم لمن يدفع لهم، وقد تحدثت تقارير صحافية عن دفع النظام المصري لـ"البلطجية" مبالغ تتراوح ما بين 100-200 جنيه، أي أنهم يمثلون فوضى العنف. وفي المقابل ومنذ بداية انطلاق الثورة الليبية توالت التقارير الصحفية والتصريحات التي تتحدث عن استعانة نظام القذافي بالجنود المرتزقة لقمع المتظاهرين من أبناء الشعب الليبي، ومن البداية كانت استعانة القذافي بالمرتزقة للقضاء على التظاهرات في شرق البلاد في مدن مثل بنغازي والبيضاء ودرنة، وحشدهم للدفاع عن العاصمة الليبية طرابلس. على مر التاريخ لعب المرتزقة دوراً في إشعال الحروب وقمع النزاعات المحلية، حيث كان يطلق على الجنود المرتزقة اسم "الجنود الضائعة" أو "كلاب الحرب". واليوم أصبح الارتزاق صناعة حقيقية أو بالأحرى تجارة رابحة تدر الملايين، حيث يتم الاستعانة بالجنود المرتزقة في عدد متزايد من الدول المعرضة للاضطرابات الداخلية أو الحروب الأهلية، إنهم جنود الثروة، عناصر تبحث عن الغنائم، تدافع عن ثروات الحكام، وتفرض النفوذ بالقوة، وتنشر الطغيان، جنود خارجون عن القوانين، فهم لا ينضوون تحت الجيوش المنظمة المحترفة بشكل رسمي. وقد ظهرت شركات المرتزقة التي تقدم خدمات أمنية وعسكرية، تحت تسميات كـ"شركات حماية" أو على أنهم "متعاقدون مدنيون " أو "متعهدون"، وبرزت ظاهرة خصخصة الحروب حيث تتم الاستعانة بالمرتزقة للقيام بوظائف تتراوح بين الحماية وتأمين الإمدادات والتدريب والوظائف الفنية، وقدرت دراسة أميركية أعداد المتعاقدين الأمنيين في العراق بما بين 100 و130 ألف مرتزق متعاقد في مقابل 150 ألفاً من القوات الأميركية الرسمية. ويجرم القانون الدولي والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة نشاط المرتزقة ويعتبرهم مجرمين وقتلة وإن وقعوا في الأسر لا تتوفر لهم الحماية القانونية كأسرى حرب. وتذكر تقارير إخبارية متعددة أن المرتزقة الأجانب الذين استأجرهم القذافي من تشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية والنيجر ومالي والسودان وكينيا وحتى من شرق أوروبا. وقد اعترفت كينيا بوجود مرتزقة كينيين ضمن الجنود الأجانب الذين استدعاهم القذافي لمساعدته في محاربة الثوار. وقال قائد القوات الجوية الكينية "رجيب فيتوني" إنه شاهد بعينيه سفر نحو 5 آلاف من المرتزقة على متن طائرات عسكرية ليبية منذ 14 فبراير الماضي. كل ذلك على رغم الاتفاقية الصادرة عن منظمة الوحدة الإفريقية عام 1977 بإنهاء عمليات المرتزقة في القارة حيث تتعهد كل دولة إفريقية عضو بمنع مواطنيها أو أشخاص أجانب من القيام بأعمال المرتزقة انطلاقاً من أراضيها. ويرى المحللون أن استعانة القذافي بالمرتزقة تعد خطأ استراتيجيّاً دفع برجال الأمن وقوات الجيش لرفض الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، والانضمام إليهم ومطاردة هؤلاء المرتزقة. فالمرتزقة يطلقون النار على المدنيين بدم بارد، ويسارعون في إخفاء الجثث، وينظفون آثار المعارك مع المتظاهرين بطريقة احترافية، وقد سقط عدد من المرتزقة في يد الشرطة الليبية المتمردة على سلطة القذافي في بنغازي. لقد تطور مشهد الثورات العربية من وحوش آدمية داخلية الصنع مدفوعة الأجر بالعملة المحلية وبأجور زهيدة أحياناً تمتهن الفوضى والعنف، إلى وحوش آدمية عالمية بخبرات عسكرية واسعة ورواتب بالدولار و"اليورو"، وظهر جليّاً أن "بلطجية" مبارك حمائم سلام مقارنة بمرتزقة القذافي.