كثير من الناس استغرب النفسية الجديدة والروح الثائرة التي عصفت ببعض أنظمة الحكم الشمولية في العالم العربي، فحدث ما لم يكن في الحسبان، وبالذات أن التغيير بدأ في أقوى دول العرب من حيث القوة الباطشة، فماذا جرى للعرب؟ قديماً كان القليل من الناس يسافرون إلى الدول المتقدمة لقضاء فترات الراحة والاستجمام أو للدراسة، هذه النخبة من الناس فقط كانت تستطيع أن تقارن بين دولها وبين الدول المتقدمة، وتبدأ المقارنة عادة بالأمور المادية كالمطارات والفنادق والطرق وبالبنية التحتية بشكل عام، ثم تتحول هذه المقارنة إلى ما هو أدق من ذلك كالخدمات المقدمة مثل المجال الصحي والتعليمي، فزيارة واحدة للمستشفيات في الدول المتقدمة تكفي لشطب معظم المستشفيات في العالم العربي، وجولة في مدارس وجامعات الدول المتقدمة بمعاييرها العالمية تجيب على سؤال لماذا تخلف العرب عن الركب المعرفي العالمي، ولو تعمق الإنسان الزائر للدول الغربية أكثر في حياة الناس لوجد أن الدول هناك بمؤسساتها إنما وجدت لخدمة الناس، فالرئيس في تلك الدول يمثل كبير الموظفين في الخدمة المدنية في دولته له حقوق وعليه واجبات، هناك مهام مطلوبة منه وفق القانون ولديه صلاحيات محددة بحكم الدستور، ولايستطيع أن يتجاوز تلك القواعد لأن الجهات التشريعية والرقابية له بالمرصاد، الزائر للدول المتقدمة فوق كل هذا يجد أن كينونة الإنسان محترمة لأنه انسان وحقوقه مصانة كونه مواطناً في تلك الدول، هذه المعلومات والحقائق كان يطلع عليها النخبة من العرب، هذه النخبة تحولت بعد ذلك إلى مفكرين يدعون للتغيير، والنتيجة أن بعضهم نُفي من بلده، ومنهم من اعتقل وآخرون آثروا السجن الذاتي لأفكارهم حتى يكتشفها البحاثون عن الحق. أما عامة الناس فقد كانوا مغيبين عما يجري في الدول المتقدمة، فالإعلام الخاضع لسلطة الحاكم كان يقول لهم ليس في الإمكان أفضل مما كان، والشعارات التي رسمت في كل مكان جعلت الأصوات تخفض لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فرضي العرب بمستويات متخلفة من الخدمات العامة كالصحة التي لا تعالج إلا الفقراء لأن الأغنياء لهم أطباء خارج أوطانهم، والتعليم الذي لا يقصده إلا عامة الناس لتدني مستواه بينما أبناء الذوات تنتظرهم البعثات قبل ولادتهم، وقس على ذلك بقية الخدمات، وبلا شك لم يكن للحريات مكان يذكر في الدول العربية الشمولية. ومع تقدم أجهزة الاتصال والتواصل، ومع سقوط جدر العزلة عما يجري في الدول الأخرى بدا العربي يقارن نفسه بمن حوله، فهو جالس في سكنه المتهالك، لكنه عبر الأقمار الاصطناعية والإنترنت يعلم كيف هي حال الإنسان الغربي، فهو إنسان له كرامة وقدسية، ومن يتعدى على كرامته، فإن القانون له بالمرصاد. ويقارن العربي حاله عندما يسمع مسؤولاً ما في بلده يقول:"نحن أسياد هذا البلد، ومن يتعدى على أسياده نقطع يده"، وبدا العربي يقارن حال الزعيم الغربي الذي يُقاد إلى التحقيق لأنه اعتدى على قاصر، وينظر إلى زعيمه الذي يصف شعبه بالجرذان، وعندما تساوى الموت بالحياة أصبح شعار العرب:"أطلب الموت توهب لك الحياة".