أصدرت إدارة أوباما أول تصريح لها بأعمال الحفريات النفطية في المياه العميقة خلال التسعة شهور الماضية، وهو ما فسره بعض المراقبين على أنه ردة فعل من الإدارة على ظروف عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، التي تسود منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط عموماً هذه الأيام، وما لهذه الظروف من تأثيرات على أسعار النفط العالمي. ويعد هذا التصريح الأول من نوعه منذ انفجار منصة الحفريات النفطية "ديب واتر هورايزون" بخليج المكسيك في 20 أبريل من العام الماضي، وهو الانفجار الذي أسفر عن مصرع 11 شخصاً وضخ 4.9 مليون برميل (ما يعادل 250 مليون جالون نفط" في مياه تلك المنطقة. وعقب تلك الكارثة مباشرة، أصدرت إدارة أوباما حظراً على كل التصريحات الجديدة بعدم إجراء أي حفريات نفطية في مياه يزيد عمقها على 500 قدم. وعلى رغم الخلافات التي أثارها ذلك الحظر، فقد استمر سريانه حتى الثاني عشر من شهر أكتوبر المنصرم على أية حال. وعقب ذلك التاريخ أعلنت الإدارة عن معايير جديدة للحفريات، قالت إنها صممت لتوفير ضمانات كافية لمنع حدوث أي انفجارات مشابهة في المستقبل، فضلاً عن ضمان قدرة الشركات المستثمرة في قطاع النفط على درء هذه الكوارث قبل حدوثها. وقد نظر بعض الخبراء إلى التصريح الجديد الذي أعلنت عنه الإدارة يوم الاثنين الماضي على أنه محاولة من قبل الإدارة لتوفير الضمانات اللازمة لسلامة عمليات الحفريات المستقبلية في المياه العميقة. غير أن هذا التصريح لا يشمل إذناً للشركات المستثمرة بالعمل في آبار جديدة، إنما يقتصر على السماح باستئناف أعمال الحفريات في الآبار التي كان قد بدأ العمل فيها من قبل. ويرى الخبراء أن الاختبار الحقيقي الذي ينتظر الإدارة يتلخص فيما إذا كانت ستصدر تصاريح إضافية، وما إذا كانت هذه التصاريح ستشمل بدء العمل في آبار جديدة أم لا. ومن جانبه قال مايكل بروموفيتش -مدير مكتب تنظيم وإنفاذ وإدارة طاقة المحيطات- إن من المتوقع المصادقة على تصاريح إضافية خلال الأسابيع القليلة المقبلة. غير أن المنتقدين لاحظوا أنه قدّم وعوداً مشابهة. فعندما رفع الحظر المفروض على حفريات المياه العميقة لأول مرة، كان قد وعد "بروموفيتش" بصدور تصاريح جديدة بنهاية العام نفسه. ومن المهم السؤال هنا عمن حصل على هذه التصاريح ولماذا؟ فقد حصلت شركة "نوبل إنيرجي" على تصريح باستئناف أعمال حفرياتها في المياه العميقة يوم الاثنين الماضي. والشركة مقرها في "هيوستن" بولاية تكساس، وقد سمح لها باستئناف أعمالها في بئر كانت قد توقفت عن العمل بها في شهر يونيو من العام الماضي إثر صدور الحظر. يذكر أن مشروع البئر الذي تعمل به الشركة، يقع على بعد نحو 70 ميلاً جنوب شرقي فنيس بولاية لويزيانا، أي قريباً من الموقع الذي حدثت فيه كارثة منصة"ديب واتر هورايزون" للحفريات، ويصل عمق البئر إلى 6500 قدم تحت سطح البحر. وقال مسؤولون في الشركة إن أعمال الحفريات سوف تستأنف خلال الشهر الجاري لتصل إلى عمق 19 ألف قدم بنهاية شهر مايو المقبل. وبالمقارنة فقد وصل عمق بئر "ماكوندو" التي حدثت فيها كارثة انفجار منصة "ديب واتر هورايزون" إلى 5 آلاف قدم فحسب تحت سطح البحر. غير أنه ليست ثمة أهمية كبيرة تذكر لكون البئر التي تعمل بها شركة "نوبل إنيرجي" موجودة أصلاً قبل حدوث كارثة بئر ماكوندو. ولكن المهم هو أن جيولوجيا البئر تجعل من السهل تخفيف المخاطر المحتملة التي يكشف عنها تقييم المخاطر. لكن استجابة شركات النفط والغاز الطبيعي للتصريح الذي أصدرته الإدارة مؤخراً بشأن السماح بالعمل في الآبار القائمة جاءت متباينة بعض الشيء. فبينما رحبت هذه الشركات بالتصريح المذكور، على حد قول جاك جيرارد -رئيس معهد النفط الأميركي بواشنطن-، الذي يلاحظ بطء إجراءات التصاريح الجديدة هذه. وأضاف "جيرارد" قائلاً: إن هذه الإجراءات قيدت كثيراً إنتاج النفط والغاز الطبيعي المحليين في وقت يرتفع فيه الطلب على منتجات الطاقة والوقود، بينما تزداد فيه المخاطر على واردات الطاقة العالمية. وتعتبر الاستجابة الصادرة من "الاتحاد القومي لصناعات المحيط بواشنطن" الأقوى من نوعها للتصريح الذي أعلنت عنه الإدارة مؤخراً. فقد بعث الاتحاد إشارة واضحة لشركات التشغيل والإنتاج والخدمات العاملة في مجال الصناعات البحرية، مفادها أن "موسم الجفاف" الذي عانته هذه الصناعات قد أوشك على الانتهاء. ذلك ما قاله راندال لويثي، رئيس الاتحاد القومي لصناعات المحيط، في بيان أصدره بهذا المعنى. ومن جانب آخر قال السيناتور ديفيد فيتر -من ولاية لويزيانا، ومن أشد المنتقدين لقرار حظر الأعمال الحفرية في مياه ولايته العميقة- إنه سوف يواصل اعتراضه على مرشح وزارة الخارجية لتولي رئاسة خدمات الأسماك والحياة الفطرية البحرية، إلى أن يتم إصدار 15 تصريحاً جديداً على الأقل بأعمال الحفريات النفطية. وأكد السيناتور أن المشوار لا يزال طويلاً جداً نحو توسيع نطاق التصاريح هذه. ذلك أن الولاية لا تزال بحاجة إلى خلق المزيد من الوظائف الجديدة لمواطنيها. جاء ذلك في بيان مرئي مسجل له، بث عبر موقعه الإلكتروني يوم الاثنين الماضي. وعلى رغم إصرار "بروموفيتش" على أن التصريح الذي أصدرته الإدارة هذا الأسبوع باستئناف الحفريات القائمة لا توجد وراءه أي دوافع سياسية، تزداد شكوك الخبراء والمراقبين في أن التصريح جاء استجابة لظروف عدم الاستقرار السياسي الأمني التي تشهدها ليبيا حالياً، وعدة دول شرق أوسطية، علماً بأن هذه الظروف تهدد بارتفاع حاد في أسعار الوقود العالمي، وتتحمل المسؤولة المباشرة عن ارتفاع أسعار الوقود في طلمبات التزويد الأميركية. -------- مارك جارينو كاتب أميركي متخصص في قضايا الطاقة ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"