في كتاب "كيف ينتهي العالم... الطريق إلى حرب عالمية ثالثة"، والذي نعرضه هنا، يغوص بنا مؤلفه "رون روزنبوم" في احتمالات الفناء الإنساني التي تحركها مخاوف ثاوية في النفس البشرية وترجع إلى عصور غابرة، فقد اعتقد المسيحيون دائماً أن نهاية العالم باتت وشيكة، وحتى اليوم يحاول المنجمون وقارئو الطالع التنبؤ بالنهاية القريبة للكون واندثاره. لكن بالنسبة للكاتب ليس هناك ما يهدد بدمار الإنسانية أكثر من اندلاع حرب نووية، حيث يرجع بنا إلى عام 1938 الذي شكل في نظره منعطفاً فاصلاً في أدبيات نهاية العالم، ففي ذلك العام تم اكتشاف استخدام الطاقة النووية ليتعلم الإنسان كيف يدمر نفسه ويحول الأرض إلى خراب. وللتدليل على خطورة العامل النووي في السياسة الدولية واحتمال اندلاع حرب عالمية أخرى تدشن حقبة الدمار الشامل، يعرج بنا الكاتب على مجموعة من الحوادث التي تبين جسامة الموقف، فرغم وجود القوانين والتشريعات الدولية التي تضيق على استخدام السلاح غير التقليدي وتسعى إلى خفضه، تبقى الحوادث النووية أكثر من أن تُحتوى؛ ومنها إقدام إسرائيل في عام 2007 على قصف ما ادعت بأنه مفاعل نووي سوري، وجاء القصف ليكرس تقليداً إسرائيلياً في استباق إقامة المفاعلات النووية في المنطقة ضماناً لتفوقها العسكري، لاسيما وأنه سبق لها أن قصفت مفاعل تموز العراقي عام 1981. ولئن كان الرد على جميع اعتداءات إسرائيل كلامياً فحسب، فإن الكاتب يحذر من أن مسألة الردع النووي التي يرى أنها كانت ناجحة خلال الحرب الباردة، إذ حافظت على توازن الرعب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، قد لا يوجد ما يضمن نجاحها بين إسرائيل وإيران. وليس غريباً أن تعمد إسرائيل التي لم تنسَ بعد مأساة الهولوكوست على أيدي النظام النازي إلى نشر غواصات ألمانية تحمل رؤوساً نووية مستعدة لإطلاقها في أي لحظة تتعرض فيها لهجوم نووي. فقد أدركت الدولة العبرية أنها لن تتحمل هجوماً نووياً لا تستطيع معه على الرد، فقامت بعزل جزء من ترسانتها النووية في الغواصات التي ستتولى توجيه الضربة الثانية. لكن السؤال هل ستنتظر إسرائيل تعرضها للهجوم حتى تقوم بالرد؟ وهل هي من سيقوم بضربة استباقية؟ هذه الأسئلة حول الحرب الاستباقية يبررها الكاتب، وإن كان يتحفظ على أساسها الأخلاقي، باعتبارها الخيار الأخير أمام إسرائيل، لاسيما وأنها كما يقول خرجت من الهولوكوست وهي مصممة على عدم السماح بتكراره مجدداً! لكن ماذا عن الآخرين؟ أليس استخدام السلاح النووي ضدهم ضرباً من الإبادة الجماعية وهولوكوست آخر يُقترف بحق شعوب ليست بالضرورة يهودية؟ الحقيقة أن الكاتب لا يجيب عن السؤال، وإن كان يحيلنا إلى قرار المحكمة الدولية في عام 1996 الذي اعتبر أن "مجمل نظام الردع النووي هو جريمة حرب"، في إشارة إلى تحفظه الصريح على إمكانية اللجوء إلى السلاح النووي ضمن ضربة استباقية تتذرع بها إسرائيل بدعوى تهديد أمنها. وإذا كان من المفهوم تركيز الكاتب على الشرق الأوسط باعتباره بؤرة ساخنة يؤثثها صراع طويل يهدد بالاشتعال في أي لحظة، فمن غير المفهوم قفزه على مناطق لا تقل خطورة في العالم، مثل شرق آسيا حيث النظام الكوري الشمالي الذي لا يتوقف عن ابتزاز جيرانه وإعادة شبح الحرب إلى منطقة لم تتخلص بعد من ضغائن الحرب الباردة. غير أن الكاتب، ومن خلال استعراضه لبعض النقاط الملتهبة في العالم، ينسى دور الهلوسة الدينية لدى بعض الجماعات المسيحية المتشددة التي تروج لسيطرة اليهود على فلسطين تمهيداً للعودة الثانية للمسيح وفناء الكون! زهير الكساب الكتاب: كيف ينتهي العالم... الطريق إلى حرب عالمية ثالثة المؤلف: رون روزنبوم الناشر: سيمون أند شوستر تاريخ النشر: 2011