من الأمور الغريبة التي فضحتها الأزمة الأخيرة التي تمر بين العربي البسيط وحكومته مدى تورط هذه الحكومات بالعمالة للخارج. وقد يضحك الإنسان من تصريحات بعض القادة العرب عندما لخصوا مسيرة الكفاح والنضال التي قادها في سلام إسرائيل الذي باتت تهددها الثورات العربية التي تقودها الشعوب اليوم. كما أن التصريح الثاني الذي فاجأ به قادة العرب السابقون شعوبهم أن وجود هذه الحكومات إنما كان لخدمة الشرق والغرب، وليس أمتهم ودولهم أو شعوبهم. ومن الواضح اليوم أن المعادلة التي خدع بها بعض قادة العرب دول العالم أن وجودهم هو سر استقرار العالم، وأن غيابهم عن السلطة يعني أن دولهم ستنهار، وتتحول إلى فئات تقاتل بعضها بعضاً، قد انتهت، ولقد سمعنا هذا الكلام صراحة من أكثر من زعيم عربي سابق. لكن الأيام أثبتت للعالم أن تلك الدول أصبحت أكثر عزماً على الوحدة الوطنية. خلال الأيام الماضية حرقت كنيسة في مصر بهدف إثارة الفتنة الطائفية. وكم كانت فرحتنا غامرة عندما رأى العالم شباب الثورة المصرية وشيوخها تحالفوا لوأد تلك الأزمة. هذه الأحداث باتت تبرهن أن بعض التاريخ الماضي من تفجير وحرق وإثارة للنزعة الطائفية كان يتم بتخطيط بعض المسؤولين العرب، كي تقول للعالم إن وجودها هو الضمان الوحيد للأمن والسلام العالمي. ومن أهم ما برز للمراقب العربي أن تلك الحكومات السابقة كان آخر همها هو الإنسان العربي أو الصف العربي، فقد رأى العالم الطائرات، وهي تقصف المواطن العربي الثائر، لأن الدم العربي هو القربان الذي ينبغي أن يقدم كي تعيش الثورة التي قامت من أجل الإنسان. بل إن المرتزقة يُدفع لهم بالمال كي لاتثور الشعوب على من استعبدها عقوداً من الزمن. مما برز على الساحة خلال الأزمة التي تمر بالعرب ضحالة بعض القادة، فهم غير قادرين على التفكير المنطقي، وربما أذهلهم أن الإنسان العربي المستباح، بدأ يقارن نفسه بالعالم الحر، وتبين له أن من حقه أن يفكر وأن يعبر عن فكره بالسلام تارة وبالاعتصام تارة أخرى، أو ليس فرعون هو من قال لقومه "ما أريكم إلا ما أرى". يعني من سمح لكم بالتفكير الحر، وكيف تلحقون غيري في الفكر والرأي. فرعون موسى لم يترك الحكم إلا غرقاً لأنه لا يتخيل نفسه يمشي على الأرض كغيره من البشر الذين كان ينظر إليهم نظرة العبيد، وقد كان أشجع من غيره عندما قال لشعبه: "ما علمت لكم من إله غيري"، أو ليس هو مصدر التشريع والتنفيذ، أو هكذا تصور نفسه. بعض القادة العرب نصب نفسه في موقع من الإعراب قريب من ذلك، فهو الذي بيده الخير كله، ويوزع المناصب والألقاب بناء على ذلك. لقد هلك فرعون بمثل ما أهلك به شعبه، فقد أجرى الله تعالى الماء من فوقه لأنه من قال: "وهذه الأنهار تجري من تحتي"، فهل يتعظ من شاء أن فوق كل ذي علم عليم. وإن عصر الاستهانة بالشعول ولى بعد أن كشفت الأحداث ما كان يجري في الخفاء، وأن المواطن العربي لم يعد من البلهاء بل هو من أعقل الأذكياء.