تركتْ الظروفُ السياسيةُ التي تمر بها المنطقة بَصْمتها على فعاليات مؤتمر "التطورات الاستراتيجية العالمية: رؤية استشرافية" الذي عقده مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، والذي يختتم فعالياته اليوم. وهذا يؤكد أن ما تمر به منطقتنا ليس سحابة صيف عابرة. فقد أعادت الأوراق الثلاث الأولى، على الأقل، مشهد الحراك الاحتجاجي الذي طال أغلب الدول العربية حتى تلك التي رفضت أن تكون تونس ومصر تمثل تلميحات لها مغزى. سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، أكد أنه لابد أن تكون للتطورات انعكاسات على استشراف مستقبل منطقتنا. والأمير تركي الفيصل حذّر من الأطماع الإقليمية التي تريد الاستفادة من عدم استقرار الوضع والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، وشخص الوضع الخليجي الداخلي فتكلم عن أهمية إعادة التفكير في الكثير من المسلَّمات السابقة. وبالنسبة لي فإن طغيان الوضع الخليجي على مناقشات المؤتمر، والمخصصة أصلاً للتطورات العالمية، يؤكد أهمية المنطقة وما يحدث فيها بالنسبة للاستراتيجية العالمية. ورغم أنه لا أحد يشك في أن ما يحدث في العالم من تطورات سياسية واقتصادية ومن كوارث طبيعية يُعدُّ مؤشراً مهماً في سبيل استشراف الاستقرار العالمي. لكن يبقى المشهد العربي، والخليجي بالأخص، هو الأكثر أهمية والأشد خطورة. ولأننا لم نتحسب لما حدث، ولم نتحصن أيضاً، فقد اتجهت أنظار المراقبين في العالم نحو منطقتنا. وما يحدث على الأرض هو بداية عهد جديد في تاريخ المنطقة، الكل يقول ذلك. وستفرض هذه التطورات في لغة استشراف المستقبل قاموساً سياسياً جديداً ستتغير فيه كثير من المصطلحات والأنماط السياسية والاجتماعية التقليدية. فقوة اندفاع التطورات لم تخفت أو تفقد بريقها، بل هي في صعود وتزايد ملحوظين، وهذا ما يؤكده دخول سوريا في "لعبة" المظاهرات والاعتصامات. وما يجري لا يمكن وصفه بأنه أمر بسيط يمكن تجاوزه بسهولة؛ لأن طبيعة مصدر القلق تغيرت وفاجأت الدول التي اعتادت السكون، ولم يعد القلق خارجياً فقط. وبالنظر إلى أن الذي أنهى عصر الطمأنينة هو مجموعات شبابية، سواء أكانوا من خريجي الجامعات أو العاطلين عن العمل، فإنه يتعين التعامل مع المحتجين بإيجاد وظائف وليس الإعلان عنها فقط، وإشراكهم في القرارات. لا يمكن للوسائل التقليدية السيطرة عليهم؛ إما لأن "قيادتهم هلامية"، أو لأن الفضاء المفتوح يساعدهم على كسب الرأي العام فيتعاطف معهم. الكلمات الرئيسية الثلاث التي ألقيت في بداية فعاليات المؤتمر حملت رؤية خليجية واقعية لما يحدث في منطقتنا. وتضمنت في بعض أجزائها مصارحة ومكاشفة، ربما هي المرة الأولى منذ بدء هذه الأزمة، خاصة في حديث الأمير تركي عن المواطنة الخليجية، وأهمية أن نعرف مصالحنا المشتركة؛ لأن البديل هو وقوع المصالح الوطنية في منزلق هيمنة الأطماع الإقليمية. وقد أكد الشيخ عبدالله بن زايد على أهمية منبر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في العمل على طرح الأفكار الجريئة من أجل الحفاظ على المصالح الخليجية بكل شفافية وموضوعية. ما يدور في المنطقة يدعو إلى اليقظة من أجل الاستمرار في قيادة الركب التنموي ومن أجل منع استغلال البعض للوضع. والرسالة السياسية في دخول "قوات درع الجزيرة" إلى البحرين، تأكيد على الرؤية الخليجية المشتركة بعد هزة خليجية أساء فهمها من اعتاد استغلال المواقف!