لماذا يعشش الطغيان في بلاد العرب؟ لماذا ينبت فيها مثل هذا السلوك الذي نبذته الكثير من بلاد العالم وأمم الدنيا؟ وهل ثمة أمل للعرب في الخروج من نفق الديكتاتورية إلى فضاء الحرية وحق التعبير؟ أدين بعنوان هذه المقالة للمفكر الجزائري مالك بن نبي حول إنسان ما بعد الموحدين، ويعني به الجيل الذي جاء بعد دولة الموحدين في المغرب، حيث انتهى نبض الحضارة في بلاد الأندلس والشام والمغرب. وفي هذا السياق يشبّه بن نبي الوضع بما نعرفه في الطب حول ما بعد العملية، أو بتعبيره الفكري "إنسان ما بعد الحضارة"، أو الماء الذي فاض من السد فاستهلك طاقته وعاد إلى خط السواء، كما في مخطط القلب حين يرسو على الاعتدال، ومعه الموت سواء بسواء! نعم لقد انتهت الحضارة الإسلامية بشهادة نعي من ابن خلدون، المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع التونسي، والذي من أرضه تونس اندلعت ثورة يناير 2011 على غير موعد وبلا ميعاد! "ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا". في عام 1198 مات ابن رشد بعد أن طرده الغوغاء من مسجد قرطبة ونفاه الملك الموحدي إلى قرية الليسانة اليهودية وهو في عمر السبعين. وبعد عشرين عاماً طحنت الدولة الموحدية بجنب مدينة "ثيوداد رويال" في الأندلس خلال معركة العقاب في أفظع عقاب. وبعدها تهاوت الحواضر الأندلسية واحدة بعد الأخرى: بالنسيا (1236)، قرطبة (1238)... وكان آخرها إشبيلية التي سقطت عام 1248. ومع أفول عصر الموحدين دخل العالم العربي ليل التاريخ وأنتج إنسان ما بعد الحضارة، كما في نفايات الطاقة بعد استهلاكها. وهكذا تفعل الحضارة بالإنسان؛ تستهلكه مادة خاماً وتصنعه إنساناً متفوقاً ويخرج منها متبخر الطاقة الإبداعية. يظهر بعدها على السطح إنسان يتقن التمثيل ويؤدي كل الأدوار بدءاً من الصعلوك وانتهاءً بالإمبراطور حين تبخر المثل الأعلى. وحينئذ بدأ يقع في شبكة "علاقات القوة" ضمن مجتمع فرعوني انقسم إلى "مستكبرين" و"مستضعفين". يعيش "كالاميبيا" على شكل كائن رخوي بدون مفاصل تحدد حركته أو عمود فقري يقيم صلبه. يحل مشاكله بمد أذرع كاذبة قابلة للتشكل على أي صورة، حيث يمكنها أن تأخذ صورة "قلم" يوقع كلمة نعم في كل انتخابات! كما يمكن أن يكون "بوقاً" مردداً ما يطلب منه من شعارات! أو "بندقية" تقوم بحفلات الإعدام حسب الأوامر! ويمكن كذلك أن يتحول إلى "سيارة" جاهزة للقيادة بالنسبة لمن يحكم قبضته على مقودها، ولو كان لصاً يخطفها... فمتى اعترضت سيارة على هوية السائق؟! وبتعبير مالك بن نبي عن هذا الكائن الاجتماعي: "ثم يبدأ تاريخ الانحطاط بإنسان ما بعد الموحدين، ففي عهد ابن خلدون استحالت القيروان قرية مغمورة بعد أن كانت في عهد الأغالبة قبة الملك وقمة الأبهة والعاصمة الكبرى التي يقطنها مليونٌ من السكان، ولم يكن حظ بغداد وسمرقند خيراً من ذلك؛ لقد كانت أعراض الانهيار العام تشير إلى نقطة الانكسار في المنحنى البياني". Summary