أحدثت إدارة أوباما الكثير من التغيير في التوجهات السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة الأميركية في السنتين الماضيتين، مما يوحي بأن مثل هذه السياسات وضعت كتوجهات استراتيجية ضمن دولة المؤسسات لتأخذ الإدارة الأميركية على عاتقها تنفيذ هذه السياسات التي تستجيب لمصالح واشنطن في ظل المتغيرات العالمية المستجدة. وتقف مسألة ضمان أمن الطاقة والابتعاد عن نفط الخليج والشرق الأوسط بشكل عام على رأس أولويات استراتيجية الطاقة للولايات المتحدة، إذ يبدو أنها حققت نجاحاً مهمّاً في هذا المجال وفق التطورات النفطية والسياسية الأخيرة في المنطقة. وضمن هذا النجاح تأتي مسألة عودة شركات النفط الأميركية بقوة لصناعة النفط العراقية، وذلك منذ إزاحتها عن هذا القطاع المهم في سبعينيات القرن الماضي، حيث يملك العراق ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي يتم فيه التحضير لعودة مماثلة لصناعة النفط الليبية، مما يعني التحكم في موارد نفطية هائلة ستضمن إمدادات مضمونة لسنوات طويلة قادمة. وفي الوقت نفسه وقعت الولايات المتحدة اتفاقيات نفطية مع بعض البلدان في أميركا الجنوبية والوسطى للحصول على واردات أكبر من النفط من هذه البلدان، وذلك على رغم محاولات واشنطن التخفيف من حصة النفط في ميزان الطاقة لديها من خلال تطوير مصادر الطاقة البديلة من جهة، وتخفيض الاستهلاك من جهة أخرى. ونتيجة لهذه السياسة المزدوجة تحولت الولايات المتحدة في الربع الأول من العام الجاري 2011 إلى مصدر للوقود والمشتقات النفطية، وذلك لأول مرة منذ سنوات طويلة، حيث ارتفعت صادرات الوقود بنسبة 24.4% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي ليصل إجمالي الصادرات إلى 2.49 مليون برميل يوميّاً، في حين انخفضت الواردات من الوقود والمشتقات بنسبة 14.4% لتصل إلى 2.16 مليون برميل يوميّاً. وفي المقابل ينتهج الاتحاد الأوروبي سياسة مماثلة في مجال الطاقة، علماً بأن هناك تنسيقاً متواصلًا بين الجانبين في شؤون الطاقة. ولم يستثن واضعو استراتيجية الطاقة الأميركية ازدياد "عطش" البلدان الناشئة، وبالأخص الصين والهند للنفط والغاز، حيث يدخل ذلك فيما يمكن تسميته بالإدارة الأميركية لشؤون الطاقة في العالم، التي لا تقتصر على ضمان إمدادات الطاقة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين فحسب، وإنما التحكم في مسارات الطاقة العالمية التي يشكل النفط عمادها الرئيسي. وإذا كانت البرازيل، وهي أحد البلدان الناشئة الرئيسية ستجد نفسها قريباً في غنى عن النفط المستورد بسبب الاحتياطات الكبيرة المكتشفة هناك حديثاً، فإن كلاً من الصين والهند سيزداد اعتماد نمو اقتصاديهما المستقبلي على النفط المستورد من منطقة الخليج لتشابه حالهما، ولو بصورة أقل بالنسبة للصين، حال اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، التي حققت معجزتها الاقتصادية على رغم افتقارها لمصادر الطاقة، بالاعتماد على النفط المستورد، وخصوصاً من منطقة الخليج العربي. ومن هنا تكتسب استراتيجية الطاقة لإدارة أوباما أهميتها، إذ إنها تدخل في صلب الصراع الاقتصادي القادم ضمن ثلاثة توجهات رئيسية: "الابتعاد والتنوع والتحكم" في شؤون الطاقة الدولية، فالابتعاد يقصد منه أساساً تقليل الاعتماد على نفط الخليج، والتنويع يخص استخدامات الطاقة البديلة في الغرب، ثم يأتي أخيراً التحكم في إمدادات الطاقة عالميّاً. ولذلك، فإن منطقة الخليج والشرق الأوسط ستحتل المزيد من الأهمية في الصراعات الدائرة حول مصادر الطاقة، التي ستشتد بسبب دخول قوى جديدة وناشئة وقريبة جغرافيّاً ويملك بعضها جاليات كبيرة في البلدان المصدرة للنفط، وتملك في الوقت نفسه رؤيتها واستراتيجيتها للطاقة، حالها في ذلك حال الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي.