قرأت مقال "الإسلام في معترك السياسة"، لكاتبه الدكتور رياض نعسان آغا، وقد أعجبتني الروح التنويرية والمنفتحة في المقال، والتي لم تنقص شيئاً من الغيرة الدينية للكاتب ونزوعه نحو إعلاء شأن مقدسات دينه. وقد رأيت أنه في ذلك المنحى استعاد قولة أحد الرواد الإصلاحيين كان قد أطلق عبارة دالة وذات مغزى في هذا الخصوص حين أعرب عن خوفه على الإسلام من جهل أبنائه وجمودهم قبل كيد أعدائه وجحودهم. ورغم أهمية مخزون الطاقة الهائل الذي يمثله الإسلام لأهله في معاركهم الحضارية الكبرى، فإني لا أرى مبرراً لإدخاله في معترك التنافس الداخلي حول قضايا التدبير اليومي، والتي هي شأن سياسي محض، ليس مما فرّعت عليه كتب الفقه أو فصلت فيه كتب الأحكام السلطانية ومصنفات القدماء حول الخلافة والإمامة وما شابه ذلك. فالشأن السياسي بطبعه متغير ومتقلب ولا يسلم من الهوى والمصلحة، أما الأحكام الشرعية فمن خصائصها الثبات والعمومية والموضوعية والإطلاق. وهذا التقابل بين طبعتي المجالين يجعل من المتعذر تكييف أحدهما مع الآخر دون جلب ضرر وإلحاق الأذى به، وذلك مما يتعارض رأساً مع مقاصد الشريعة السمحة ذاتها. علي محمد -أبوظبي