في زمن يجد فيه العالم العربي نفسه محاصراً بالمحن والأزمات، وينتقل من مأزق إلى آخر يصعب الفكاك منه، أجد نفسي مضطراً اليوم للحديث عن موضوع قد يبدو طريفاً وخفيفاً، لكنه في الحقيقة ذو تأثيرات متعددة أعمق مما يبدو عليه في الظاهر. وربما يبعدنا ذلك قليلاً عن الهموم العربية المتراكمة، والمواقف العربية المتخاذلة التي لا نجد منها مخرجاً سوى بمغادرة كوكب الأرض. وفي الوقت نفسه فإن الموضوع الذي نتناوله اليوم لا يغفل التحذير من التداعيات السلبية المباشرة أو غير المباشرة على الشباب العربي.
لقد انتشرت الظاهرة التي استرعت انتباهي مؤخراً في بعض الفضائيات العربية، وهي ظاهرة SMS أو "خدمة الرسائل القصيرة" التي ترتبط بما يطلق عليه إعلامياً "تليفزيون الواقع" أو "المعايشة الحية"، وإن كان ما يحدث في فضائياتنا لا يمت للموضوع بصلة. ويتم استخدام "خدمة الرسائل القصيرة عبر الهاتف الخلوي" بكثافة في عملية التصويت والاختيار في برامج عدة أكثرها ترفيهي وبعضها جدي. فإذا أردت المشاركة في اختيار سوبر ستار العرب، أو ستار أكاديمي، أو ملكات جمال لبنان، أو ترشيح أغنية أو فيلم معين، فما عليك سوى إرسال SMS بموقفك أو تعليقك، ولن يستغرق ذلك غير دقائق معدودة محسوبة بدقة لتضمن تحقيق العائد المطلوب. والأرقام المعلنة في هذا الصدد مثيرة للدهشة والاستغراب، فقد وصل عدد المشاركين في برنامج واحد وفي مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة إلى سبعة ملايين.
وفي محاولة إعلامية لتطوير الموضوع تقوم إحدى الفضائيات بعرض شريط أسفل الشاشة يحوي الأخبار الشخصية لأصحاب الرسائل القصيرة، عندما يشاهدها البعض للمرة الأولى يعتقدون أنها أخبار عن الأحداث والكوارث التي يواجهها العالم على مدار الساعة، ولكن عند قراءتها يجدونها إهداءات شخصية وتعليقات غريبة وعبارات شاذة تظهر مباشرة على الشاشة من دون أي مراجعة أو رقابة، رغم أن بعضها يضم كلمات تخدش الحياء العام، ناهيك عن المسابقات وتبادل الأغاني أو تسجيلها أو إرسالها لآخرين أو تغيير رنات الهاتف الخلوي، فكل هذا لا يحتاج منك سوى إرسال SMS على رقم معين. ومؤخراً قامت بعض البرامج الحوارية التي تناقش قضايا اجتماعية مهمة باستثمار الموضوع، وهي تطلب من المشاهدين المشاركة في اختيار أحد الحلول المناسبة لمواجهة مشكلة معينة من خلال إرسال SMS.
وتتزايد كل يوم أشكال استخدام هذه الرسائل القصيرة، وربما يأتي اليوم الذي يتم فيه الحصول على متطلبات الحياة اليومية، والتواصل بين البشر، ومد جسور العلاقات الاجتماعية، وممارسة جميع أنشطة الحياة السياسية مثل اختيار رئيس الدولة ورؤساء الحكومات وأعضاء المجالس التشريعية، بل ربما تستخدم هذه الخدمة للتصويت داخل الأمم المتحدة. إنه بالفعل زمن SMS.
ومن البداية أود أن أوضح أنني لست من أعداء التطور أو عدم الاستفادة من التقنيات الحديثة، ولكن لكل شيء سلبياته وإيجابياته، وهي أمور يجب أن نأخذها بعين الاعتبار عندما نتعامل مع أي خدمة إعلامية تقنية جديدة.
كانت بداية اهتمام الإعلام العربي بموضوع SMS مع برنامج سوبر ستار العرب الذي بثته إحدى القنوات الفضائية على مدى أشهر، وطوال هذه المدة لم تخلُ صحيفة يومية من الكتابة عنه وعن المشاركين فيه، وانشغلت به كل فئات المجتمع من مشاهدين وإعلاميين وحتى مراقبين سياسيين، مما شجع الآخرين على التوسع في استخدامه ربما تحت إغراء العائد المادي الهائل أولاً. وعلى سبيل المثال فقد دفع مشاهدو الدول العربية 20 مليون دولار في حلقة واحدة من حلقات إحدى برامج المسابقات، في الوقت الذي تعاني فيه أغلب الدول العربية من فقر مدقع يأتي على رأس المشكلات التي تواجهها. وهذه واحدة من الألغاز العربية الكثيرة التي لا تزال تبحث عن تفسير.
للأمانة فإن للظاهرة جوانب إيجابية عديدة، من أهمها العوائد المالية الكبيرة سواء من جراء الاتصالات أو الإعلانات، بالإضافة إلى جوانب أخرى تشمل (1) منح المشاهد فرصة التعبير عن رأيه بحرية وقتما يشاء، وممارسة الاختيار فيما يخص شخصاً أو قضية يعنى بها. (2) خلق دور تفاعلي ومؤثر للمشاهد في الوسيلة الإعلامية. (3) بناء رأي عام تجاه بعض الموضوعات الترفيهية أو للتسلية. (4) الاستفادة مما توفره التكنولوجيا من إمكانيات للاتصال والتواصل مع الآخرين. (5) ترسيخ ثقافة الديمقراطية التي تجعل الأقلية تتقبل رأي الأغلبية.
وإذا كانت بعض البرامج التي تتعرض للقضايا الاجتماعية قد استفادت من موضوع الرسائل القصيرة في دفع المشاهدين للمشاركة في اختيار أحد الحلول المطروحة لقضية معينة، فإن ذلك يعني بدرجة ما أن للموضوع بعداً اجتماعياً يصعب التغاضي عنه، لأنه يدفع المشاهدين إلى التفكير في أنسب الحلول وفق معايير مختلفة تعتمد على الخلفية العلمية للمشاهد وثقافته وخبرته في الحياة، ومن ثم تبرز المشاركة الوجدانية المجتمعية.
ولكن على الجانب الآخر توجد سلبيات عديدة سوف تلقي بظلالها على الحياة الاجتماعية للأسرة والمجتمع العربي، من أهمها