رغم اختلاف المؤرخين والعلماء حول العوامل والأسباب التي تدفع الأمم إلى النهوض والارتقاء أو السقوط والتراجع، فإنهم يتفقون على أن فاعلية الفكرة المركزية في الأمة ووحدتها بصورة قوية من أهم العوامل المؤدية إلى النهوض والارتقاء. وهذا أمر تؤكده التجارب التاريخية المعاصرة، حيث تنعكس آثار ذلك بصورة واضحة ومباشرة على حالات الأمم ومدى القوة أو الضعف الذي تتصف به، ولا غرابة إن سعت كل أمة إلى إضعاف فاعلية ذينك العاملين داخل الأمة التي تخاصمها أو تعاديها. ومن الأمثلة هنا ما تعرض له العالم العربي من خلال اتفاقية "سايكس -بيكو" حيث تم تمزيق وحدته والعمل على إضعافه وإخضاعه. ولعل الحديث عن مشروع النهضة يفرض علينا التطرق لمشروع الوحدة بين الدول العربية، المشروع الذي تناساه البعض، وتحول إلى حلم رومانسي في نظر البعض الآخر. لكن واقع حال العرب يؤكد أنه بدون الدخول في وحدة اندماجية أو وحدات فرعية قابلة للاندماج، ووضع مخطط استراتيجي يحقق التكامل بينهم في جميع المجالات... فإن الأمة العربية ستبقى ضعيفة غير قادرة على مواجهة التكتلات والتحالفات الكبرى القائمة في عالم اليوم، وستبقى عاجزة عن المنافسة في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والعلمية، وبالتالي لن تستطيع تحقيق مشروعها الحضاري واستعادة مكانتها العالمية. عندما ينظر المؤرخون وخبراء الاقتصاد والسياسة إلى خريطة العالم العربي، سيجدون أنها بفعل واقع التجزئة والحدود السياسية القائمة، غارقة في الخلافات السياسية، ومنهكة بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتوترات السياسية، على ما بها من نزاعات عرقية وحركات انفصالية. وسيلاحظون وجود قوى إقليمية ودولية تعمل على إبقاء مثل هذا الوضع، سعياً لمزيد من إضعاف الأمة العربية وتفتيت مقوماتها الاستراتيجية، حتى تبقى ضعيفة معتمدة على الغير وليس لها مكانة بين الأمم القوية. إن الوعي بهذه الحالة التي تمر بها الأمة أصبح أمراً حتمياً اليوم، وشرطاً لنهوض الأمة من كبوتها، والمنطلق الحقيقي لذلك هو إحياء مشروع الوحدة العربية، أي اجتماع العرب تحت راية واحدة وإرادة واحدة وكلمة واحدة، في إطار من التلاحم والتكامل والاندماج... إنه الحلم الذي تطمح إليه الشعوب العربية منذ عقودة عدة، والمشروع الذي سيمكنها من بلوغ النهضة وتغيير التوازنات الإقليمية والعالمية لصالحها. والعالم العربي لديه كل المقومات التي تؤهله للنهوض من كبوته والتحول إلى قوة عالمية خلال النصف الثاني من القرن الحالي؛ لديه موقع استراتيجي في غاية الأهمية إذ يقع في قلب العالم ممتداً بين المحيط الأطلسي غرباً والخليج العربي شرقاً، ومن بحر العرب جنوباً حتى تركيا والبحر الأبيض المتوسط شمالاً، لديه مساحة تبلغ 13.5 مليون كيلومتر مربع، تقع 78 في المئة منها في قارة إفريقيا و22 في المئة منها في قارة آسيا، وبذلك فإن مساحته تفوق مساحة قارة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وعدد سكانه يتجاوز 300 مليون نسمة تتوزع على 22 دولة تضم عدداً كبيراً من العلماء والأطباء والأدباء والمفكرين والمهندسين، وبه عدد من الجامعات والمراكز البحثية والأكاديمية والتقنية ومؤسسات الطاقة الذرية، ولديه ثروات اقتصادية ضخمة، فهو ينتج 60 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي من النفط، ويمتلك ثلثي الاحتياط العالمي من النفط أيضاً، وهو غني بثرواته المنجمية والمعدنية والزراعية والبحرية.... فهل يتحقق حلم الوحدة ويقرر القادة العرب طرح مشروعها في مؤتمر قمتهم القادم، كحل لعلاج الأزمات الحالية؟