عدد النساء اللواتي يعملن في العالم آخذ في الارتفاع، وحجم التشريعات التي تساعدهن وتحميهن آخذ في الازدياد أيضاً. ولكن ورغم أن هذين التطورين قد يبدوان واعدين ويبعثان على الأمل، إلا أن الكثير من السياسات التي تصوغها النساء المشرعات من أجل مساعدة نساء أخريات لا تصل تأثيراتها إلى من هن في أمس الحاجة إليها. هذه الرسالة التي تشير إلى تحقيق نجاح نسبي هي بشكل عام الفكرة الأساسية للتقرير الذي يحمل عنوان "تقدم نساء العالم 2011-2012: السعي وراء العدالة" والذي صدر في الأسبوع الأول من هذا الشهر عن منظمة "الأمم المتحدة للمرأة". التقرير، الذي يقع في 164 صفحة، جاء شاملاً ومفصلًا ويشتمل على أرقام، ودراسة حالات، وبحوث أخرى لدعم توصيات الأمم المتحدة للمرأة بالقضاء على التفاوت من حيث العدالة بين الرجال والنساء في العالم. وفي هذا السياق، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة "ميشيل باشليه" للصحافيين خلال صدور التقرير: "هناك فجوات كبيرة من حيث التطبيق"، مضيفة "إن وضع التشريعات ليس سوى الخطوة الأولى، إذ من المهم والأساسي ضمان تطبيقها بعد ذلك". وحسب "بابا سيك"، وهو الإحصائي الرئيسي الذي ساهم في إعداد التقرير، فإن المساهمة الأكبر التي أتى بها التقرير تكمن في التحليل الذي يقدمه. ذلك أنه من خلال تحديد العلاقات بين النتائج المنشودة وممارسات معينة، استطاع معدو التقرير تقديم توصيات تتعلق بالسياسات كانوا يعلمون أنها ستكون فعالة وناجحة وتشمل قصص نجاح. ويتمثل العمود الفقري للتقرير في قائمة بـ10 توصيات تروم جعل النظام القضائي "ناجحاً من أجل النساء"، وذلك بناء على قصص نجاح في العالم. وتشمل التوصيات استعمال "كوتا"، أو حصص محددة، من أجل زيادة عدد النساء المشرعات وزيادة عدد النساء في قوات الشرطة من أجل التشجيع على التبليغ عن العنف الجنسي. وقد نجح ثمانية وعشرون بلداً في تجاوز سقف الـ30 في المئة الموصى به من أجل تمثيل نسوي في البرلمانات الوطنية، ووصل 23 في المئة منها إلى هناك عبر اعتماد "الكوتا"، حسب "لورا توركي"، المعدة الرئيسية للتقرير، التي تقول "إن العمل وفق نظام "الكوتا" أثبت نجاحه وفعاليته"، ولاسيما في أماكن لديها تاريخ من التمييز ضد النساء. غير أن دور السياسات يتوقف عند هذا الحد فقط، كما تقول "الأمم المتحدة للمرأة"؛ في حين تتولى عدد من التوصيات الأخرى معالجة مشكلة الهوة بين السياسات والتطبيق. فثلثا بلدان العالم باتت لديها اليوم قوانين ضد العنف العائلي، غير أن "توركي" تشير إلى أنه حتى في البلدان التي تمتلك قوانين صارمة تحمي النساء من العنف العائلي والاعتداء الجنسي، فإن الإدانات قليلة ونادرة. وعلى سبيل المثال، ففي حالات الاغتصاب هناك خطوات كثيرة ومعقدة بين التبليغ عن الجريمة والمحاكمة لدرجة أن النساء كثيراً ما يستسلمن قبل التاريخ الذي يمكن أن تصدر فيه الإدانة. أحد الحلول المقترحة لحل هذه المشكلة، وهو من بين التوصيات العشر التي أوصى بها التقرير، يتمثل في ما وصفه معدو التقرير بـ"الشباك الوحيد"، الذي يضم الخدمات القانونية والصحية والشرعية التي تحتاجها المرأة من أجل رفع قضية اغتصاب ضد الشخص الذي اعتدى عليها. وتعليقاً على هذا الموضوع تقول توركي:"كلما كان عدد الخطوات التي على المرأة اتخاذها صغيراً، كلما ازداد احتمال أن تسعى إلى أن تنصفها العدالة". وفي هذا الإطار، تشير "مراكز "ثوثوزيلا" للرعاية" في جنوب أفريقيا، والتي تقدَّم باعتبارها "أفضل نموذج عملي"، إلى إمكانيات وفوائد هذه الشبابيك الوحيدة. ففي أحد الأقاليم هناك، تستغرق المتابعة القضائية في قضايا الاغتصاب 7.5 أشهر فقط كمتوسط عندما تكون المراكز مشاركة، كما أن حوالي 89 في المئة من تلك القضايا تنتهي بإدانة - مقارنة مع سنتين من أجل المتابعة القضائية ومعدل 6 في المئة من حالات الإدانة في النظام القضائي للإقليم في الأحوال العادية. إلى ذلك، يحفل التقرير بأمثلة على تجارب دولية ناجحة وفعالة، مثل مراكز الرعاية بجنوب أفريقيا، تأمل "الأمم المتحدة للنساء" في أن تقود إلى التغيير في البلدان التي تواجه عراقيل وصعوبات مماثلة، وذلك على اعتبار أن ضرب الأمثلة الجيدة له تأثيرات مفيدة تلهم الآخرين وتشجعهم على السير على نفس الخطى، مثلما تقول "توركي". وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن وحدات الشرطة الهندية النسائية التي تم نشرها إلى جانب جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة في ليبيريا بعد انتهاء الحرب هناك أدت إلى قفزة على صعيد تجنيد النساء الليبيريات في قوات الشرطة الليبيرية – وهي توصية أخرى من التوصيات العشر الواردة في التقرير. كما كشف تحليل للبيانات المتعلقة بالعنف الجنسي عن ازدياد احتمال قيام كل من النساء والرجال بالتبليغ عن العنف الجنسي لنساء مسؤولات في أجهزة فرض احترام القانون، مثلما يقول "سيك"، الإحصائي. والواقع أن المحاولات الرامية إلى تحسين وتوسيع استفادة النساء من العدالة تُرفض أحيانا على أساس حجج تقول بأن الإصلاحات تتنافى مع الممارسة الدينية والتقاليد، ولكن هذا التقرير حافل بأمثلة على حالات تحسن في أماكن تمكنت فيها الأمم المتحدة ومنظمات أخرى من العمل مع المجتمعات المحلية على زيادة حقوق النساء رغم التمييز المبني على الممارسة الدينية، كما تقول "باشليه" التي تضيف: "إن التقرير يقوم على أمثلة من بورندي إلى الإكوادور، ومن باكستان إلى المكسيك، لتأكيد أن الثقافة والدين لا يمكن استعمالهما لتبرير التمييز والظلم على أساس الجنس". آرييل زيرولنيك – كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"