"إن لخار الشرف بأن تكون أصغر وزير خارجية في باكستان، وأول امرأة تتولى هذا المنصب"، ذلك مما جاء في بيان أصدرته إسلام آباد وعينت بموجبه "هينا رباني خار" وزيرة لخارجية باكستان. فبناءً على رأي رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني قرر الرئيس آصف زرداري "ترقية خار إلى رتبة وزير فيدرالي للخارجية". وفي يوم الثلاثاء الماضي أدت "خار" اليمين الدستورية أمام "فاروق نايك"، الرئيس بالوكالة خلال فترة غياب زرداري في زيارة تاريخية لأفغانستان. وفي أول مهمة خارجية بعد تعيينها، سافرت "خار" يوم الأربعاء الماضي إلى إندونيسيا لحضور المنتدى الإقليمي الـ18 لرابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، حيث التقت بكل من نظيرها الصيني "يانج جيه تشي" ونظيرتها الأميركية هيلاري كلينتون. لكن الأخيرة أدلت هناك بتصريح ربما يٌصعّب على "خار" إحدى المهمات الرئيسية في أجندتها، حيث أعلنت كلينتون أن على الهند توسيع نطاق نفوذها في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي وزيادة تواجدها في آسيا الوسطى، وهو ما رفضه جيلاني الذي أعلن من إسلام آباد بأن بلاده لن تقبل لأي دولة فرض هيمنتها في المنطقة. وليس من الواضح ما إذا كان التصريحان سيؤثران على الزيارة التي كان من المقرر أن تؤديها "خار" إلى نيودلهي اليوم أو غداً للقاء نظيرها الهندي كجزء من عملية استئناف الحوار المتوقف بين البلدين منذ هجمات بومباي في نوفمبر 2008. ومع ذلك فهذه ليست أول مهمة خارجية لـ"خار"، إذ سبق أن سافرت خلال الأشهر الأخيرة في مهمات إلى كل من بريطانيا وألمانيا وهولندا والولايات المتحدة وسنغافورة، وإلى بعض الدول الخليجية، وذلك بوصفها وزيرة دولة للشؤون الخارجية، وهو المنصب الذي تولته في 13 فبراير 2011، في خضم أزمة بين باكستان والولايات المتحدة الأميركية، اضطرت شاه محمود قريشي، المنتمي هو أيضاً إلى "حزب الشعب الباكستاني"، إلى مغادرة منصبه كوزير للخارجية بسبب معارضته إطلاقَ سراح الدبلوماسي الأميركي "ريمون ديفيس" المتهم بالتجسس لصالح وكالة المخابرات المركزية الأميركية، والذي أُلقي عليه القبض لقتله اثنين من ضباط الاستخبارات الباكستانية. وقبل ذلك كانت "خار" وزيرة دولة للشؤون الاقتصادية في أول حكومة شكلها جيلاني عقب انتخابات أغسطس 2008، وهو ذات المنصب الذي تولته في عهد برويز مشرف، وكانت معنية بالقروض والمنح الدولية والثنائية، ومسؤولة عن الموافقة على أي مشروع يقام في باكستان بتمويل أجنبي. وقد كانت "خار" أول امرأة تدلي بخطاب الميزانية أمام الجمعية الوطنية الباكستانية في يونيو 2009. ومنذ فبراير الماضي جمعت بين وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية ووزارة الدولة للشؤون الخارجية، حيث يبدو أن أداءها الدبلوماسي شجع الرئيس زرداري على اختيارها وزيرة للخارجية. و"هينار رباني خار" من مواليد 19يناير 1977، في مدينة "مولتان" الواقعة بجنوب البنجاب، وهي خامس أكبر مدينة في باكستان (3.8 مليون نسمة) وعاصمة التصوف فيها. وتنحدر "خار" من إحدى العائلات العريقة، ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي في المدينة. فهي ابنة "مالك غلام نور رباني خار"، النائب البرلماني في الجمعية الوطنية خلال السبعينيات، وكان عمها حاكماً عاماً لإقليم البنجاب. وقد تخرجت من قسم إدارة الأعمال بجامعة لاهور الحكومية عام 1999، وكانت في الـ22، ثم سافرت للدراسة في الولايات المتحدة وحصلت على شهادة الماجستير من جامعة ماساشوست عام 2001. وبعد عودتها انخرطت في عالم الأعمال، وساعدها أنها من عائلة ثرية وأن زوجها "فيروز غيلزار" هو أيضاً رجل أعمال ثري، فأصبحت لها بعض المؤسسات الخاصة بها، ومنها مطعم "بولو لونج" الراقي في لاهور عاصمة البنجاب. وكمعظم الساسة الباكستانيين، فقد اتجهت "خار" من عالم الأعمال إلى العمل السياسي، وكانت خطوتها الأولى الترشح لعضوية البرلمان في الانتخابات التشريعية لعام 2002، حيث فازت على قوائم "حزب الرابطة الإسلامية"، الجناح الموالي للرئيس برويز مشرف، وكانت في الخامسة والعشرين من عمرها، حيث حصلت على 34.3 في المئة من الأصوات، مقابل 34 في المئة لمنافسها الرئيسي. وفي الجمعية الوطنية ترأست "خار" اللجنة البرلمانية للشؤون الاقتصادية والإحصاء. ثم سرعان ما انضمت للحكومة وأصبحت وزيرةً دولة للشؤون الاقتصادية في الفترة من 2003 إلى 2007. وغداة الانتخابات النيابية لعام 2008، غادرت حزبها لتنضم إلى "حزب الشعب الباكستاني" الذي كان بقيادة بيناظير بوتو قبل اغتيالها عام 2007. وفي تلك الانتخابات ترشحت "خار" لخلافة نفسها في المقعد البرلماني ذاته عن دائرة "مظفر خار" بجنوب البنجاب، فأعيد انتخابها بحوالي 85 ألف صوت، أي ما نسبته 60 في المئة من إجمالي عدد الأصوات في دائرتها. وخلافاً لمعظم البرلمانيات الباكستانيات، فإن خار انتخبت خارج مقاعد الكوتة النسائية. وقد أعطتها حملتها الانتخابية خبرة سياسية مهمة، وكذلك المناصب الوزارية التي تقلدتها. وإلى ذلك فهي تتوفر على كثير من الخصال الضرورية لوزير الخارجية كي يتمكن من أداء مهماته بنجاح، مثل اللباقة والبلاغة وإتقان اللغة الوطنية الأم (الأوردية) واللغة الإنجليزية، وإلمامها بملفات السياسة الخارجية الباكستانية ومعرفتها بالمؤسسات الدولية، فضلا عما تحظى به من ثقة لدى الرئيس زرداري. لكن بعض المعلقين لا يبدون تفاؤلاً بقدرات "خار" على إنجاز مهماتها في الخارجية، خاصة بالنظر إلى التعقد الذي طرأ على ملف العلاقات الباكستانية الأميركية خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الخلاف على الدور الباكستاني في محاربة الإرهاب، وتجميد المساعدات العسكرية الأميركية لباكستان (800 مليون دولار). هذا علاوة على العقبات القائمة في طريق الحوار الهندي الباكستاني حول الأمن والسلام وكشمير وسباق التسلح النووي. ومن الانتقادات الموجهة لخار أنها دخلت عالم السياسة عبر منصة النفوذ العائلي، وأنها لم تخض تجربة العمل السياسي بمعناه الحقيقي انطلاقاً من الشارع ووسط الجمهور العام. كما رأى البعض في انتقالها من حزب إلى آخرَ "انتهازيةً سياسيةً" تميز سلوكَ كثير من العائلات الثرية في باكستان. وهناك من يقارن الفارق بين إدارة الأعمال وإدارة العلاقات الدولية، بالفارق بين خبرة "خار" وخبرة اثنين من وزراء خارجية باكستان السابقين، مثل خورشيد محمود وجوهر إيوب خان. فهل لهذا السبب كان على جيلاني أن يتولى بنفسه الرد على كلينتون ولا يتركه لنظيرتها "خار"؟ محمد ولد المنى