تمثّل الشائعات خطراً كبيراً على أمن المجتمع واستقراره، خاصة إذا شملت قضايا تمسّ حياة أفراد المجتمع وتعاملاتهم اليومية، كتلك التي تمّ تداولها مؤخراً عبر "الإنترنت" والهاتف الجوّال، وتزعم احتراق بناية أو وقوع حوادث مرورية مروّعة، أو وجود مواد مسرطنة في بعض المنتجات الغذائية والطبية، ولهذا فقد حذرت "شرطة أبوظبي"، مؤخراً، المستخدمين من استعمال أجهزة "البلاك بيري" و"الإنترنت" في ترويج شائعات تتضمّن معلومات غير صحيحة، من شأنها الإضرار بأكثر من طرف بمن فيهم مروّجوها. إن انتشار هذه النوعية من الشائعات في الآونة الأخيرة تقف وراءه عوامل عدّة، بعضها يرتبط بغياب الوعي لدى مروّجي الشائعات، فالذين يروّجونها قد يقومون بذلك عن غير عمد لدى نقلهم خبراً بطريقة خطأ، أو تفسيره بشكل غير صحيح، وهناك على الجانب الآخر بعض المتلقّين، ممن لديهم القابلية لتصديق الشائعات، خاصة إذا لم يصدر أي ردّ فعل رسمي ينفي الشائعة أو يدحضها، حيث تشير العديد من الدراسات العلمية المتخصّصة في هذا المجال إلى أن تكرار سماع الشائعة يعزّز فرص تصديقها وتمريرها بين قطاع أكبر من الجمهور، وإضافة إلى غياب الوعي، هناك أيضاً سوء استخدام تكنولوجيا الاتصالات في ترويج الشائعات على اعتبار أن انتشار الهواتف الذكية بين أفراد المجتمع و"الإنترنت" قد أسهما بشكل ملحوظ في ترويج الشائعات وتوسيع نطاق تردّدها جغرافيّاً بين شريحة عريضة من الناس. وإذا كانت الأجهزة المعنية تتعامل بسرعة مع الشائعات المؤثرة، سواء بالنفي أو توضيح ملابسات انطلاقها، فإن المشكلة تكمن في عشرات الشائعات البسيطة الأخرى التي لا تجد من يتعامل معها أو يحاول توضيح الأمور بشأنها، وبالتالي تتحوّل مع مرور الوقت إلى حقائق، وهذا لاشكّ ينطوي على مخاطر كبيرة، فإضافة إلى ما تسبّبه من هلع وخوف واضطراب بين أفراد المجتمع فإنها قد تؤدّي إلى أضرار بالغة على مستويات مختلفة، حيث يمكن أن تسبّب خسائر اقتصادية، سواء في قطاع السياحة أو السفر أو غيرهما، كما يمكن أن تؤثر بالسلب في العلاقات بين أفراد المجتمع إذا اتّجهت إلى التشهير ونشر معلومات مغلوطة بحق بعض الأفراد أو الأسر. إن مواجهة الشائعات والتصدّي لمروّجيها ينبغي أن تكون مسؤولية مجتمعية، صحيح أن قانون العقوبات الاتحادي وتعديلاته تناول الشائعات وأعمال التشهير وفرض عقوبات شديدة على مروّجي تلك الشائعات أو من يسيئون إلى سمعة الآخرين ويمسّون اعتبارهم، حيث تصل العقوبات إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات لمن أذاع عمداً شائعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وصحيح أيضاً أن الأجهزة المعنية تتعامل بكل جديّة مع الشائعات وتفسير ملابساتها المختلفة، لكن من الضروري التعامل مع الأسباب الأخرى التي تقف وراء انتشار الشائعات، سواء تعلّق الأمر بإساءة استخدام وسائل الاتصال الحديثة، أو تعلّق بتوعية أفراد المجتمع وتثقيفهم حتى لا يكونوا عرضة لتصديق مثل هذه الشائعات، ويبرز هنا الدور المهم الذي ينبغي أن يقوم به الإعلام، وذلك من خلال تنويع قنوات الاتصال والتواصل مع أفراد المجتمع، والتعامل مع الشائعات والقضايا المرتبطة بها بنوع من الجديّة، وذلك لقطع الطريق أمام أي فرصة لنشر مثل هذه الشائعات ومحاولات ترويجها.