نجحت الديمقراطيات والديكتاتوريات الوحشية معاً في تصنيع اقتصاداتها، ولكن الحرية وحكم القانون كانا ضروريين مع ذلك لإنجاز الوثبة اللازمة للرخاء والتقدم. وسنغافورة كما يقال هي الدولة الوحيدة الصغيرة (لا يزيد عدد سكانها عن 4.3 مليون نسمة)، التي تعد استثناء من هذه القاعدة. أما الحزب الشيوعي الصيني، فيراهن أن دولته ستكون هي الدولة الكبرى الأولى التي ستكون استثناء من هذه القاعدة أيضاً. ولكن كيف تؤدي الديمقراطية بمجرد أن تدخل الدول ما يمكن لنا أن نطلق عليه مرحلة الشيخوخة؟ لا نعرف الإجابة على الرغم من أن هذا السؤال هو تحديداً ذلك المطروح في إطار الاضطراب السياسي، الذي يهز أوروبا واليابان والولايات المتحدة الأميركية في الوقت الراهن. في الدول الثلاث نجد أن الاقتصادات تتباطأ والسكان يشيخون. وفي الدول الديمقراطية المتقدمة البالغ عددها 34 دولة، والتي تشكل في مجموعها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تبلغ نسبة المواطنين في سن العمل-(20 ـ64) - 4.2 شخص في المتوسط مقابل كل شخص يبلغ سنه 65 عاماً فما فوق. وبحلول عام 2050، تقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن المعدل سينخفض إلى 2.1 ثم إلى 1، وهو ما يمثل تقلصاً و أفولاً واضحاً، ربما يساعد على شرح السبب الذي يجعل ممارسة السياسة في برلين وطوكيو، وربما في واشنطن أيضاً أمراً بالغ الصعوبة. والأمل الوحيد المتاح، لأي مجتمع يدخل مرحلة الشيخوخة، هو أن يستثمر في صحة الأطفال، والمدارس، والكليات، والطرق، والسكك الحديدية، والألياف البصرية، والبحوث والتطوير، لتنشيط النمو الاقتصادي. الكثير من تلك الاستثمارات يجب أن يأتي من القطاع الخاص، ولكن الكثير منها يجب أن يأتي أيضاً من الحكومة، وهو ما يتطلب في المقابل عوائد كافية، (وهو ما يعارضه معظم الجمهوريين). وينبغي التأكد من أن الإنفاق الموجة للمستقبل يجب ألا يكون مثقلًا باستحقاقات التقاعد والمعاشات، (وهو ما يعارضه الديمقراطيون). يعني هذا أن الحزبين الأميركيين الرئيسيين يمثلان مصالح الماضي والحاضر في مواجهة المستقبل في الوقت الذي تتناقص فيه نسبة القاعدة السكانية للمستقبل، على نحو متدرج ومتواصل. والشيء المشجع والمحبط في الوقت نفسه بشأن الجدل الدائر حول هذه المسألة التي قيدت واشنطن تماما هو أن أميركا في حال أفضل بكثير من الدول الأخرى، وأن مشكلاتها أكثر قابلية للحل من مشكلات غيرها من الدول. لتبيان ذلك فلنبدأ بالأساسيات: لدينا مساحة واسعة (ثالث أكبر بلد في العالم) وعدد سكان ضخم( الثالث على مستوى العالم أيضاً)، وموارد طبيعية، ودول مجاورة صديقة، وثروات لا نظير لها في التاريخ أوالجغرافيا. ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أميركا عام 2008 بلغ 47.186 ألف دولار. مقارنة بـ33.748 ألف دولار قيمة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ونتيجة للهجرة ومعدل المواليد الأعلى تعتبر الولايات المتحدة في وضع أفضل من معظم الدول المتقدمة فيما يتعلق بموضوع شيخوخة السكان. هذه فيما يتعلق بالأشياء التي تدعو للتفاؤل أما تلك التي تدعو للإحباط فهي: إن الولايات المتحدة تضعف وتتراجع في العديد من الميادين الأخرى. منها على سبيل المثال نسبة استكمال التعليم الثانوي والجامعي، والاستثمارات في القرى، وغيرها من مشروعات البنية الأساسية، وعلى وجه الخصوص في مستوى تراكم الدين الحكومي الفيدرالي. والذي يربط بين هذه الجوانب جميعاً هو نوع من التفكير المتعلق بمرحلة الشيخوخة الذي يقوم على أن الجيل التالي، هو الذي سيدفع الدين، وهو الذي سيصلح الطرق وهو الذي سيعاني من مستويات الرخاء المتناقص بسبب عدم كفاية التعليم. وهناك قصص موازية في أوروبا المتباطئة في معالجة أزمة الدين التي تعاني منها لأن دافعي الضرائب في ألمانيا ليسوا حريصين على دفع تكاليف المعاشات في اليونان، كما أن اليابان ذات النظام السياسي الذي يعاني من اختلالات وظيفية متزايدة، لا تستطيع إنجاز الإصلاحات التي يمكن أن تؤدي إلى تشجيع النمو، ولكنها ستؤدي إلى إزعاج الأغلبية الشائخة من السكان. مع ذلك، ليس هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الدول غير الديمقراطية سوف تتعامل مع التحديات بشكل أفضل. في هذا السياق أشار "نيكولاس ايبرستادت" من معهد"أميركان انستتيوت" إلى أن الصين التي كثيراً ما يشار إليها باعتبارها المنافس الرئيسي المتوقع للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين ستكون من أوائل الدول التي ستتزامن فيها ظاهرتا النمو والشيخوخة، أي أنها ستنمو في الوقت نفسه الذي يزداد فيها سكانها شيخوخة في نفس الوقت، وهو ما يرجع إلى سياسة تنظيم النسل الصارمة التي تطبقها المعروفة بسياسة "طفل واحد للعائلة الواحدة"، والتي أدت إلى إنقاص معدل العمال إلى المتقاعدين إلى 8 مقارنة بـ 10 في إندونيسيا و11 في الهند، وسوف تؤدي إلى تقليص هذه النسبة إلى 2.4 عام2050، وفقاً لبيانات"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". بيد أن إخفاق الديكتاتوريات لن يمثل عزاء للديمقراطيات، التي لا تستطيع الارتفاع لمستوى التحدي. فمن الصحيح كما يقول "إيبرستادت" إن "الديموغرافيا ليست بحاجة لأن تتحول إلى قدر اقتصادي"، ولكن مما لاشك فيه أن التغلب على التحدي السياسي المفروض من قبل الديموغرافيا يعني أن التقرب إلى الناخبين من خلال حسهم الوطني الأعمق وتمنياتهم لأطفالهم وأحفادهم، وليس من خلال المصالح الشخصية، التي تغذي الحس الأناني الباحث عن الذات فحسب والأحزاب التي تزدهر على حساب خوف الناخبين. هناك الكثير مما يمكن طلبه من أوباما و"جون بوهنر"، ولكنه تحديدا هو الشيء الذي تحتاج إليه البلاد. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"