الفكرة الأساسية لكتاب "مكافحة الإرهاب"، والذي نعرضه هنا، لمؤلفه رونالد كريلينستن، هي شرح التعقيدات والتحديات ذات الصلة بمحاربة الإرهاب، وتقييم الخيارات المتاحة لهذه الحرب. وهكذا ينظر فصله الأول في البيئة الأمنية للإرهاب وسياقه. بينما ينظر الفصل الثاني، وعنوانه "مكافحة الإرهاب الإكراهية" في نموذجي الحرب والعدالة الجنائية. أما الفصل الثالث فيتفحص مقاربة الحرب الوقائية أو "مكافحة الإرهاب المبادِرة". وينظر الفصل في "المكافحة الإقناعية" لاسيما في بعدها التواصلي. ثم يركز الفصل الخامس على "مكافحة الإرهاب الدفاعية" متوقفاً عند أنماط الإجراءات الوقائية أو الحمائية للحد من الهجمات الإرهابية وتقليل مخاطرها. أما الفصل السادس والأخير فيتناول "مكافحة الإرهاب طويلة الأجل"، وهي مبادرات قد لا تقدم حلولاً آنية، لكنها تتطور في المدى البعيد. وبإعمال النظر في البيئة الأمنية الأوسع للإرهاب حالياً، يشرح المؤلف السياق الأوسع لعملية فحص مكافحة الإرهاب، كخطوة أولى قد تساعد على الإحاطة بمجمل التهديدات الأمنية التي يواجهها العالم، إذ تبين كيف وجد الإرهاب لنفسه موقعاً يتأقلم فيه ضمن البيئة الأمنية الأكبر نطاقاً. وفي معرض تحليله لنموذجي الحرب والعدالة الجنائية، يلاحظ المؤلف أنهما معاً يسمحان للدول بممارسة احتكار استخدام العنف، لكنهما يفرضان قيوداً صارمة على كيفية ذلك الاستخدام. وهنا يتم توظيف الجدل الدائر حول تقرير ما إذا كانت هجمات 11 سبتمبر قد شكلت فعلاً إجرامياً أم أنها عمل من أعمال الحرب. هذا، ويشتمل مصطلح الحرب الوقائية ضد الإرهاب على طائفة واسعة من النشاطات، ابتداءً بتقييم المخاطر والتهديدات، مروراً بتصليب الهدف، وانتهاءً بالعمليات الاستباقية. ومع ذلك فالكتاب يركز في هذا الخصوص على وظيفة الاستخبارات، وإغلاق منافذ تمويل الجماعات الإرهابية، والتحديات الاستثنائية التي تثيرها عمليات مكافحة النشاطات السرية في وجه الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية. وفي معرض شرحه البعد التواصلي لمكافحة الإرهاب؛ يبين الكتاب أن الحرب النفسية، وحملات الدعاية وكسب القلوب والعقول، وأفكار من قبيل تقديم حوافز للإرهابيين للتخلي عن العنف وإيجاد مسارات غير عنيفة بدلاً منها... تشير كلها إلى هذه الفكرة حول مكافحة الإرهاب كشكل من أشكال التواصل. وهنا يتفحص الكتاب اثنين من أشكال "الإقناع الإكراهي"، هما الردع والاستباق، ثم تناول مسألة استخدام "القوة الناعمة" أو البعد الدعائي لمكافحة الإرهاب. وعلى هذا النحو، يتقصى الجوانب السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية للإرهاب، مسلطاً الضوء على أهمية العمليات السيكولوجية. وفي تناوله أنماط الإجراءات الوقائية لتقليل مخاطر الهجمات الإرهابية والحد من الآثار التي تخلفها، يتعرض الكتاب لموضوعات تشمل: تصليب الهدف، وحماية البنية التحتية الحساسة، وإدارة الأزمة، وجاهزية الطوارئ، وإدارة عواقب الأزمة، وتخطيط الطوارئ والمحاكاة، والدفاع المدني، وتعظيم المرونة في مواجهة التهديد الإرهابي. وتتعامل "النماذج" الدفاعية المتبعة مع النشاطات الإرهابية، حتى تلك التي قد توقع إصابات بالجملة، كواحدة من مخاطر كثيرة تهدد نظام الصحة العامة بأسره، أو كأيٍّ من النكبات أو الكوارث الكبرى، الإنسانية أو الطبيعية. وفي هذا الخصوص، فالجهود لا تقتصر على وضع العقبات أمام الإرهابي لمنعه أولاً من توجيه ضربته، بل تشمل كذلك معالجة العواقب الاجتماعية والنفسية للهجمات الإرهابية، وإيجاد السبل الكفيلة بتقليص آثارها إلى الحد الأدنى. أما مبادرات مكافحة الإرهاب، وإن كانت لا تعد دائماً بحلول نهائية، فإنها تتطور في المدى الطويل، وتشتمل على مجال "الأسباب الجذرية"، والعوامل الأكثر بنيوية في المناخ الملائم لترويج واستخدام العنف من قبل المنظِّرين والمتحمسين. ولابد من الإشارة هنا إلى تركيز القسم الأكبر من عمليات مكافحة الإرهاب على المدى القصير، لأن الآفاق الانتخابية غالباً قصيرة جداً. والعوامل البنيوية عادة ما تتطور على مدى فترات أطول بكثير. لذلك يركز الكتاب على أنماط الاستراتيجيات الطويلة الأجل التي تنطوي على وعد بإحداث تغيير في البيئة الملائمة لازدهار الإرهاب، إضافة للمصاعب والتحديات التي تواجه استراتيجيات كهذه. وأخيراً، في فصل الاستنتاجات، تلتقي كل خيوط الكتاب، حيث يقدم المؤلف تقييماً للدرجة التي يمكن عندها تحقيق مكافحة إرهاب شاملة توفر إطاراً للأمن في القرن الحادي والعشرين، وتحافظ في الوقت نفسه على القيم التي تشكل أساس الحوكمة الديمقراطية والعالمية. محمد ولد المنى الكتاب: مكافحة الإرهاب المؤلف: رونالد كريلينستن الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2011