تشهد الهند قلاقل سياسية واقتصادية تجعلها تعاني من عدم القدرة على الاضطلاع بمتطلبات التنمية بشكل مريح. ويشكل اتساع الطيف السياسي الهندي وغياب سيطرة حزب سياسي واحد في داخل البرلمان، عاملاً مهماً يعرقل أعمال الحكومات المتتالية، ويجعل من تواجد إجماع سياسي مرهوناً للسياسات الاستقطابية ولتصلب الاهتمامات الأيديولوجية. هذه الحالة تضعف الحكومة بشكل متواصل عندما يقوم أي من الأحزاب المعارضة وحلفاؤه في البرلمان بسحب تأييدهم لها. الطيف السياسي الهندي يتراوح بين حزبين شيوعيين هما حزب الهند الشيوعي، والحزب الشيوعي الهندي الماركسي، اللذان يرفضان بشكل مستمر الإصلاحات القائمة على اقتصاد السوق. وتتدرج الحالة إلى أن تصل إلى الأحزاب الملتزمة بهذا النمط من السياسات الاقتصادية، كحزب "المؤتمر" الوسطي حالياً وحزب "بهاراتيا جناتا" الهندوسي. العديد من الحكومات العرضية توضح أن التطرف الأيديولوجي، والتعنت السياسي، سمات بارزة في السياسات الهندية الداخلية، وتظهر التصرفات الحزبية العدائية من قبل الأحزاب التي تقع على طرفي نقيض، أنه حتى الأطراف الأكثر حنكة في فنون الممارسة البرلمانية الديمقراطية مهيأون للإخلال بواحد من أهم ركائز الديمقراطية الأساسية، وهو مبدأ المعارضة الموالية. فعلى سبيل المثال بعد خسارة "بهاراتيا جناتا" اليميني الانتخابات عام 2004، درجت قيادته على ممارسة تصرفات سياسية أعاقت من خلالها العديد من الإجراءات البرلمانية العادية. والواقع أن هذا النوع من التكتيكات السياسية تزيد من تفاقم الانشقاقات على الصعيد الأيديولوجي، وربما الوطني أو حتى الشخصي، وتشكل عائقاً أمام صياغة توافقات حول السياسات التي يجب أن تتبع، والتي من شأنها أن تشجع وتحافظ على نمو البلاد واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وفي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة الحالية بتركيز جهودها على التصدي لهجمات الأحزاب المعارضة، خاصة "بهاراتيا جناتا"، ولمحاولات الشيوعيين إثارة القلاقل أمامها، يأخذ عدم الاستقرار السياسي في أوساط الأقلية المسلمة في التفاقم، ويسهم في سيرة اللاتناسق السياسي في شتى أنحاء البلاد، وتجد الحكومة نفسها عاجزة عن إزالة هذا النوع من القلاقل التي تؤرقها والقضاء عليها قضاء مبرماً يعيد إلى البلاد لحمتها السياسية والاجتماعية. وتأتي العديد من المخاطر الأمنية الداهمة التي تواجه الهند من ارتفاع وتيرة التطرف الداخلي، ومصادر هذه الأخطار معقدة، لكنها قابلة للشرح، فخلال السنوات الأربع الماضية أو نيف، واجهت الهند موجة من القلاقل الأمنية في مدنها الرئيسية، ذهب ضحيتها عدد لا يستهان به من المدنيين. وهذا النوع من القلاقل لا يأتي من فراغ نظراً لما تعانيه العديد من الأقليات من مظالم، فأفراد تلك الأقليات يعانون من مظاهر اضطهاد اجتماعية واقتصادية وثقافية تثير حفيظتهم ضد الدولة وضد مكونات الطيف المجتمعي الأخرى، ما يجعل الطبقة الاجتماعية والطائفة واللغة والديانة والارتباطات الإقليمية، عوامل فرقة بينهم وبين الفئات الاجتماعية الأخرى. لذلك فإن حكماء الهند وعقلاءها ونخبها وقياداتها، بحاجة إلى وقفات جدية مع النفس للعمل على نزع فتيل هذا النوع من الاستقطابات الحادة في داخل المجتمع، لأن استمرارها يعني عرقلة المسيرة الهندية على كافة الصعد الداخلية والخارجية، ويؤثر على مستقبل الهند ذاتها ومستقبل محيطها الجغرافي، فإن مرضت الهند أصيبت العديد من دول الجوار الجغرافي الأخرى بالعدوى الشديدة.