في شهر نوفمبر المقبل سيكون ثمة رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية. والخيارات معروفة. إما أن يعاد انتخاب الرئيس الحالي جورج بوش وإما سيصل منافسه الديمقراطي جون كيري إلى البيت الأبيض. ومن الطبيعي أن ترصد استطلاعات الرأي في أميركا حظوظ هذا أو ذاك منهما وفق التقاليد الأميركية، وأن يتابع العالم مراحل التحضير للانتخابات وتقلب الاستطلاعات ومناخ التوقعات، فالرئيس المرتقب انتخابه هو رئيس أميركا أكبر وأقوى دولة في العالم بل يمكن القول وحتى إشعار آخر هو رئيس القرار العالمي! والمعروف أن ثمة نظاماً انتخابياً يعتمد أطراً وآليات سياسية ومالية وإعلامية يتيح أمام المرشحين فرصاً متكافئة أمام الرأي العام الأميركي المتنوع الذي سيختار. ولا شك في أنه العنصر الأساس والأهم نظراً لدور الشركات الكبرى في رسم الخيارات والسياسات من خلال موقعها في حركة الاقتصاد الأميركي من جهة، ووسائل الإعلام والتأثير في وسائل الإعلام والإعلان من جهة ثانية، ومن ضمن هذه الوسائل عملياً مراكز الأبحاث والدراسات وقد صدرت منذ أيام ومع بدء مؤتمر الحزب الديمقراطي سلسلة دعوات تحذر من تزوير جديد يحصل في الانتخابات المقبلة يؤدي إلى التجديد للرئيس بوش وذلك استناداً إلى ما جرى سابقاً وأدى إلى فوزه بعد بلبلة كبيرة وبفارق أصوات، الأمر الذي دفع بكثيرين إلى نعت الرئيس بوش بـ"الرئيس المزور"!
ومن الطبيعي بل من الواجب وفي هذه المرحلة بالذات أن نواكب نحن العرب هذا الحدث وأن نرصد اتجاهاته لنحدد كيف سنتعامل معه ومع نتائجه والخيارات كما ذكرنا محدودة. هل ثمة مصلحة لنا مع جورج بوش بعد أن خبرنا إدارته وسياساته ونواياه وأهدافه بل استهدافاته لنا من خلال فريق لا يرى في المنطقة إلا مصلحة إسرائيل؟ ألا يعني نجاحه مجدداً تشدداً أكثر في الولاية المقبلة، حيث سيأتي مستقوياً بإرادة الشعب الأميركي ليكمل "رسالته الالهية " المؤمن بها؟ وهل سيخرج إذا ما نجح "الصقور الإسرائيليون" من إدارته كما يراهن كثيرون من العرب، أم أن الفضل في إعادة انتخابه سيكون للإسرائيليين ومؤسساتهم وبالتالي سيبقى مديناً لهم ومنحازاً إلى مصالحهم؟ أم أنه سيصبح أكثر تحرراً في الولاية الثانية وسيحاول تحقيق شيء يذكر به في المنطقة على صعيد السلام كما يراهن أيضاً ويحلل بعض العرب؟ مع العلم أنه قيّد نفسه وقيّد المنطقة بسلسلة من القرارات والوعود لاسيما "وعد بوش" الذي أقره مجلس النواب الأميركي بالغالبية، والذي يلغي حق العودة للفلســـطينيين ويعدل حدود 67، وبالتالي أصبح قراراً يلزم كل الإدارات الأميركية المقبلة.
وإذا كانت نسبة الكراهية لأميركا قد زادت في العالمين العربي والإسلامي بسبب سياسة بوش وفريقه، وإذا كانت هذه السياسة قد جرَّت علينا الخراب والدمار وبالتالي فإن لنا مصلحة في التخلص منها ومن أصحابها، فهل يشكل سقوط بوش بالنسبة إلى العرب فرصة أو خلاصاً أم يكون " ثأراً" لا فضل لهم فيه؟ وربما لن يجدوا مصلحة فيه بعد حين؟ أم يكون "فشة خلق" وتعبيراً عن انتقام أو شماتة أو حقد البعض عليه وبالتالي التشفي منه؟
ليس ثمة مكان في السياسة والتحليل السياسي ورسم الخطط السياسية المستقبلية لكل هذه العناصر. إنما العملية هي عملية حساب. حساب الربح والخسارة. حساب الممكن والأفضل ضمن الظروف السائدة. وبهذا المعنى ليست الخيارات مشجعة للعرب بين بوش وكيري. فإذا كان بوش فعل ما فعله مع العرب في العراق وفلسطين وقوانين محاسبة سوريا وامتداداً لبنان، فإن منافسه كيري، يزايد عليه في دعم إسرائيل ويكرر رفضه لعرفات، واتهامه للسلطة الفلسطينية بحماية الإرهاب ويؤكد دعمه للجدار العنصري الفاصل، وتفهمه لحق إسرائيل في امتلاك أسلحة الدمار الشامل وفي تنفيذ عملياتها الإرهابية ضد الفلسطينيين. كما أنه لا ينتقد بوش على سياسته في هذا المجال، بل يقول إن لديه خيارات أفضل، لكنها قائمة على الانحياز الكامل لإسرائيل! كذلك فإنه حكماً سيلتزم بالقوانين والقرارات الصادرة عن المؤسسات الدستورية الأميركية والتي كان وراءها فريق بوش. وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات نواب أميركيين تدعو إلى معاقبة السعودية لأنها اتخذت قراراً بالعفو عن "الإرهابيين" إذا سلموا أنفسهم فإن كيري قال: سأقوم بعمل أفضل من بوش للحد من التهديد الذي يستهدف إسرائيل وسائر العالم. فإسرائيل بحاجة إلى شريك للتفاوض معه حول السلام. لكن هذا الشريك غير موجود الآن - وفي ذلك تبن كامل لموقف شارون وحكومته من السلطة الفلسطينية وتبرير لاستباحة كل شيء في ممارساته الإرهابية ضد الفلسطينيين. وأضاف كيري:"يمكنني أن أكون أكثر فاعلية في محاسبة السعوديين ودول عربية أخرى"! ما الفرق إذاً بين الإثنين؟ عندما نرى تبنياً كاملاً للمشروع الإسرائيلي، واستهدافاً مستمراً للسعودية وغيرها من الدول العربية، بل ربما بوتيرة أقسى! ألا يعني هذا أنه ليس قي قاموس وخطط أي منهما موقع أو حساب للعرب؟ ألا يعني أيضاً أنه قبل الاندفاع العاطفي في التعبير عن تأييد هذا أو ذاك ينبغي ال