أجواء زيارة ساركوزي إلى بنغازي... وأصداء "ماراثون" فلسطين في الأمم المتحدة زيارة ساركوزي إلى بنغازي هذا الأسبوع، وعودة أجواء المحنة المالية اليونانية والأوروبية مجدداً، والتجاذب الدولي حول عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. ساركوزي في بنغازي الكاتب بيير روسلين خصص افتتاحية في صحيفة لوفيغارو لدلالات الزيارة القصيرة التي أداها الرئيس الفرنسي إلى ليبيا هذا الأسبوع، مشيراً إلى أن كلمته في ساحة التحرير ببنغازي قد مثلت بالفعل واحدة من أقوى لحظات رئاسته. فبعد مرور سبعة أشهر على انتفاضة الشعب الليبي ضد نظام القذافي، جاءت زيارة ساركوزي والأجواء الإيجابية التي اكتنفتها لتؤشر إلى الدور المركزي المكلل بالنجاح الذي لعبته فرنسا في دعم الثورة الليبية، ومن وراء ذلك التزامها القوي بدعم تطلعات "الربيع العربي" الديمقراطية، بصفة عامة. وهناك وسط أجواء نشوة الانتصار في بنغازي حضر سيد الأليزيه لقطف ثمار موقفه القوي. ومن خلال شباب بنغازي وجه رسالته إلى الشباب العربي كله مؤكداً التزام بلاده بدعم تطلعات الشعوب نحو الحرية والديمقراطية في الضفة الجنوبية من البحر المتوسط. وكذلك استخدم في طرابلس نبرة ديغولية، لا تخطئها الملاحظة، في تأكيده على أن فرنسا تدعم "جميع الشعوب العربية عبر العالم التي ترغب في التحرر من قيودها"، مشيراً بشكل خاص إلى "أولئك الذين يحلمون أيضاً بأن تصبح سوريا دولة حرة". وفي الأخير يتساءل الكاتب عن حدود دور بطل الحرية الراهن الذي يلعبه ساركوزي؟ وعما يمكن أن تتكشف عنه مساعيه لتوحيد وتكثيف التقاء ضفتي البحر المتوسط؟ مجيباً: إذا ضربت الدول العربية حقاً موعداً مع الديمقراطية، فسيكون ذلك اليوم المشهود في بنغازي يوماً تاريخيّاً بكل المقاييس. إن التحدي جدير حقاً بالاهتمام، وإن الرهانات لمفتوحة على أكثر من أفق. محنة "اليورو" في سياق التفاعل الإعلامي مع تداعيات محنة "اليورو" انتقد الكاتب "فينسان جيريه" في افتتاحية بصحيفة ليبراسيون ردود فعل العواصم الأوروبية حيال تردي وضع العملة الموحدة، على خلفية عودة محنة اليونان المالية إلى الواجهة مجدداً، مشيراً إلى أن جهود الحكومات الأوروبية لإنقاذ "اليورو" ما تزال ضعيفة، بل إن روح اليأس بدأت تدب بفعل حجج بعض أصحاب الآراء والسيناريوهات المالية الانتحارية الذين يرون أنه لم يعد ثمة حل سوى ترك اليونان تفلس بصفة منظمة! وفي ذات الوقت تنهال البورصات دون رحمة على القيم المصرفية الأوروبية، وهو ما ينذر باحتمال نشوب أزمة مالية هيكلية حقيقية، ستكون الشعوب، كالعادة، في مقدمة ضحاياها. والحال أن أوروبا تعاني اليوم من شلل زعاماتها أكثر مما تعاني من معاكسة الأسواق المالية. وأخطر ما في ذلك الشلل أن زعماء الدول الأوروبية المؤثرة يتركون البنك المركزي الأوروبي يجهد وحيداً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، هذا مع أن هوامش تحركه محدودة سلفاً، على نحو يجعله عاجزاً عن حل كل مشكلات القارة الاقتصادية، ذات المنشأ المتجذر في انعدام السياسة والإرادة. وفي مقال آخر بصحيفة لوموند حمل عنواناً لاذعاً يقول: "هل اليونانيون حقراء؟"، انتقدت الكاتبة "كارولين فوري" ما اعتبرته جذوراً ثقافية لدى اليونانيين لعبت دوراً في أزمتهم، من قبيل التعود على التهرب من دفع الضرائب لأسباب تاريخية قديمة، على اعتبار أن لذلك صلة باستدامة الدراما المالية اليونانية الحالية. وتمضي الكاتبة بعد ذلك مستعرضة، بأسلوب ناقد، بعض مظاهر وأسباب الأزمة المالية الأوروبية الراهنة، والسبل الكفيلة باحتواء جموحها العارم. فلسطين بين "نعم" و"لا" في مقال بعنوان "لنحلم بـ«نعم» إسرائيلية في الأمم المتحدة" استعرض المحلل السياسي الفرنسي "آلان فراشون" في صحيفة لوموند بعض أبعاد التجاذب الدولي الراهن حول خطوة الفلسطينيين بالتوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بقيام دولتهم المستقلة، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الجمعية العامة إذا اتخذت قراراً بهذا الصدد في بحر أسبوعين تقريباً فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها بشرعية قيام دولة فلسطين، حيث إنها سبق أن فعلت ذلك من قبل حين نص قرار التقسيم رقم 181 الصادر يوم 29 نوفمبر 1947، على إقامة دولتين على أراضي فلسطين التاريخية، هما دولة فلسطين، وإسرائيل. غير أن الدولة الأولى لم تقم في ذلك الوقت بسبب تداعيات الصراع المرير اللاحق الذي انخرطت فيه الدول العربية الرافضة لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين. والآن بعد مرور 64 سنة على صدور ذلك القرار ها هم الفلسطينيون يعودون لنفس المطلب، بقرارهم التوجه مجدداً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولكن هل سيتحقق مسعاهم؟ في هذا الطريق عقبات لا يستهان بها، فقد أصبحت الموافقة اليوم على انضمام دولة ما إلى الأمم المتحدة مرتبطة بقبول مجلس الأمن في المنظمة. ولذا ما زال الفلسطينيون يواجهون معارضة الولايات المتحدة لمسعاهم، حيث لوحت إدارة أوباما بأنها ستستخدم حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن ضد أي اعتراف بالدولة الفلسطينية. أما في الجمعية العامة فلا وجود لـ"الفيتو" بل تكفي أغلبية بسيطة ضمن الـ193 دولة عضواً في الأمم المتحدة لتمرير المطلب الفلسطيني، ويتوقع أن يتم التصويت على هذا المطلب في حدود يوم 23 من سبتمبر الجاري. وحصوله على أغلبية الجمعية العامة مضمون سلفاً، حيث عبر أكثر من 120 دولة عن الموافقة على التصويت لصالحه. وفي صفوف معسكر الدول التي ستقول "نعم" لدولة فلسطين تأتي روسيا والصين، وجميع القوى البازغة -من الهند إلى جنوب أفريقيا، مروراً بالبرازيل- هذا طبعاً إضافة إلى جميع دول العالم العربي، وأغلبية الدول الإفريقية والآسيوية. وفي معسكر "لا" تأتي إسرائيل، تدعمها الولايات المتحدة وبعض الحلفاء المقربين منها على الساحة الدولية. أما أوروبا، فكالعادة -يقول الكاتب- منقسمة على نفسها، فخلف فرنسا والمملكة المتحدة تصطف أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في موقف أقرب إلى معسكر "نعم" للدولة الفلسطينية. وخلف ألمانيا، الحريصة على عدم إغضاب إسرائيل، تقف هولندا وبولندا وجمهورية التشيك، في صفوف معسكر "لا". وفي هذه الأثناء يتحرك الزعيم الفلسطيني عباس بحذر، ولذلك يعد نص قرار معتدلاً، حسب مصادر عليمة، يراعي الخطوط العريضة للخطط الأميركية لتسوية الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي. ويتعلق الأمر بخطة لإقامة دولة فلسطينية في حدود 1967، تراعي بعض وقائع التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية. وعاصمتها القدس الشرقية. كما أن "حق عودة" اللاجئين الفلسطينيين سيكون محدوداً، كما ستراعى مصالح إسرائيل الأمنية، وباختصار كل ما اشتملت عليه حقائب الدبلوماسيين لأكثر من ثلاثين عاماً سيراعى حتى في نثرياته وتفاصيله الصغيرة. ومع هذا فإن الجمعية العامة ليس في مقدورها اتخاذ قرار الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية لأنه خاص بمجلس الأمن، وكل ما بيدها هو فقط رفع مستوى عضوية فلسطين في المنظمة الدولية إلى مستوى "دولة غير عضو" كما هو حال الفاتيكان. ولكن حتى وضع "دولة غير عضو" ليس عديم الفائدة أيضاً حيث سيفتح أمام دولة فلسطين أبواب عضوية مختلف المنظمات الأممية الفرعية. وسيكون أيضاً في رفع مستوى العضوية توسيع لهوامش تحرك الفلسطينيين على المستويات القانونية والدبلوماسية. كما سيعمق من العزلة السياسية المتفاقمة التي ترزح فيها إسرائيل. وهي عزلة ازدادت الآن في ضوء سيولة الوضع الإقليمي وتردي علاقاتها مع مصر وتركيا. وفي الأخير يقترح "فراشون" على إسرائيل أن تتخذ موقفاً مفاجئاً وشجاعاً بالتصويت بـ"نعم" للاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية، لكي تسهم في كسر حلقة الاستقطاب، وتسهل عملية فك العزلة عنها، ثم تسير أيضاً بعد ذلك بخطوات مناسبة على طريق عملية السلام. إعداد: حسن ولد المختار