أرسلت مجموعة قانونية إسرائيلية خطاباً لما يزيد عن 100 رئيس كلية وجامعة في الولايات المتحدة هذا الشهر، تطلب فيه منهم جميعاً القيام بحملة على الأنشطة الإرهابية والأنشطة المعادية للسامية. وفيما يلي مقتطفات من ذلك الخطاب: "رغم أن الحرية السياسية والأكاديمية تعتبر من الحريات المقدسة في الولايات المتحدة، إلا أن هناك حدوداً لهذه الحرية، يجب توعية الطلاب ومسؤولي الجامعات بها خصوصاً تلك المتعلقة منها بالأنشطة المناوئة لإسرائيل". ومما جاء أيضاً في ذلك الخطاب من المجموعة القانونية المذكورة التي تعمل من إسرائيل: "الطالب اليهودي يجب أن يشعر بالأمان عندما يرتدي القلنسوة اليهودية علنا في الحرم الجامعي، دون أن يخشى أي إساءات بدنية أو لفظية تحمل عداءً لإسرائيل". وبالطبع فإنه لا يجب السماح مطلقاً بالتهديد باستخدام العنف، وهو شيء معمول به في الولايات المتحدة بالفعل، وأن لا تتساهل المحاكم الأميركية بمختلف أنواعها نحوه على الإطلاق. لكن هناك شيئاً آخر ينبغي توضيحه في نفس الوقت، وهو "أن الخطاب المناوئ لإسرائيل محمي من خلال القوة الكاملة للتعديل الأول، وهو خطاب مسموح به في حُرم الكليات والجامعات الأميركية". ليس هناك من حاجة للتأكيد على أن القانون الأميركي يدافع دوماً عن "حق الأميركيين في انتقاد الحكومات، بل وحقهم في نشر مواد تعتبر قذفاً محرضاً على الفوضى، أي حقهم في تقديم خطاب تشهيري مناوئ للسلطات. من هنا لا يمكن لأحد أن يصف ذلك الخطاب المناوئ للحكومات بكل سهولة ويسر بأنه "مضايقة" أو "سوء معاملة"، لمجرد أنه أراد إيقافه لأي سبب من الأسباب. فيمكن على سبيل المثال لطلاب ممن يتبنون الأفكار الفوضوية أن ينظموا -سواء حصلوا على التصريح اللازم لذلك من الجهة المعنية أو لم يحصلوا- تظاهرات مناوئة للحكومة الأميركية في الحرم الجامعي لجامعة فرجينيا -مثلاً- بل ويمكن أن يقوموا خلال تلك التظاهرات بإحراق العلم الأميركي. ومثل هذه التظاهرة الاحتجاجية لا يمكن وصفها ببساطة أنها تمثل "مضايقة" من قبل أي جماعة أو منظمة تمهيداً لقيام تلك الجماعة أو المنظمة فيما بعد بالتقدم بطلب لمنعها، على اعتبار أنها تتضمن خطاباً مسيئاً. ويشار في هذا الصدد أيضاً إلى أن المحكمة العليا الأميركية قد قررت في شهر مارس الماضي، وفي إطار تناولها للقضية المعروفة بقضية " شنايدر -فيلبس"، أن أعضاء كنيسة ويستبرو المعمدانية الذين يتظاهرون بالقرب من جنازات الجنود الأميركيين الذين يلقون مصرعهم في أفغانستان والعراق ويتفوهون بأقذع العبارات، لا يمكن مقاضاتهم بتهمة إحداث ضرر عاطفي بأهالي هؤلاء الجنود وأصدقائهم، رغم الخطل الذي تتسم به حملتهم. وهذا الحكم لم يكن بأغلبية بسيطة بل الحقيقة هي أن ثمانية من القضاة قد صوتوا لصالح مثيري الشغب من أعضاء كنيسة ويستبرو، مقابل 1 فقط صوت ضدهم. وإذا ما كان التعديل الأول للدستور الأميركي يحمي مثل هذا الخطاب الضار، فإنه بالتأكيد يحمي الخطاب اللاذع الموجه ضد إسرائيل بل والموجه أيضا ضد اليهود أو أية أقلية أخرى. في عام 2005 قامت صحيفة "تار هيل" اليومية التي تصدر عن جامعة نورث كارولينا، ويقتصر توزيعها تقريباً على حرم تلك الجامعة، بنشر عمود رأي كتبته طالبة تدعى "جيليان بانديس" احتوى على عبارات وأفكار عنصرية منها على سبيل المثال أنها تريد أن "يتم تجريد جميع العرب من ملابسهم وتفتيش كل ثنية من ثنايا أجسامهم عندما يصلوا إلى مسافة 100 ياردة من أي مطار من المطارات الأميركية". ولم تقم الجامعة -ولا ينبغي لها في الأصل- باتخاذ إجراءات ضد هذه الطالبة. لكنها طردت فيما بعد من العمل في الصحيفة بقرار من رئيس تحريرها بعد أن اكتشف أنها قد مزجت عن عمد عبارات من أستاذ جامعي عربي يعمل في تلك الجامعة بعبارات أخرى كتبها طالب فيها، بحيث تم تشويه المعنى المقصود من كل منهما، وبما يصب في مصلحة ما دعت إليه في مقالها في معرض تهجمها على العرب. والحقيقة أن الجامعات الأميركية تتبنى درجة كبيرة من التسامح تجاه كافة الخطابات اللاذعة المناوئة بصرف النظر عن الجهة الموجه إليها ذلك الخطاب، وهو ما ينبغي لها في الحقيقة. ويمكن القول إن من أهم المهام المسندة إلى رئيس أي كلية أو جامعة أميركية تلك المهمة المتعلقة بالعمل على حماية الخطابات غير المقبولة أو المناوئة للغير، لا العمل على الحد منها. وفي جامعة "مين" التي أشرُف بالتدريس فيها، يمكن لمن يلقون كلمات أو خطباً أن يوجهوا ملاحظات لاذعة متعصبة ضد الشواذ جنسياً، وأن يتحدثوا فيها عن المكان الذي سيذهب إليه هؤلاء الشواذ في الحياة الأخرى. وهذا النوع من القذف وغيره من أنواع الخطاب المسيء حول جماعات الأقلية محمي تماماً في الجامعة، وفي أي جامعة أخرى عامة. ويشار إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشتركان في بعض التقاليد القانونية، منها على سبيل المثال وجود محاكم عليا قوية تصدر في أحيان كثيرة أحكاماً ضد رغبة المشرعين بل وضد رغبة الرأي العام نفسه. لكن المعروف أيضاً أنه توجد لدى إسرائيل وغيرها من الدول قيود على حرية الرأي والحديث تخالف أبسط مبادئ حرية وحق الاختلاف المعمول بها في الولايات المتحدة. على أنه يلزم التنبيه إلى أن الخطاب المناوئ للسامية لا يتمتع بالحماية في الولايات المتحدة في بعض الحالات -وهي حالات محدودة على أي حال- وذلك عندما يتضمن إساءة أو سباً أو قذفاً موجهاً لشخص بعينه بما يسمح بتكييف هذا الفعل في تلك الحالة بأنه "مضايقة". ولا ينطبق هذا على الخطاب المناوئ لإسرائيل، لأنه في حقيقة الأمر نوع من الغضب الموجه ضد مؤسسة، أو ضد الحكومة الإسرائيلية وهو ما يحدث، في معظم الأحيان. والقوانين الأميركية تؤكد بجلاء، وبما لا يحتمل أي لبس، أن مثل هذا النوع من التعبير محمي في الولايات المتحدة لأقصى درجة ممكنة. جاستن ديه. مارتين أستاذ الصحافة بجامعة "مين" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"