لعله من غير المبالغة القول بأن معظم القضايا التي تواجه المجتمعات والدول في عالم اليوم هي مشكلات اجتماعية بمعنى ما، وبأن للمشكلة الاجتماعية خصائص وأبعادا عامة تكاد تنطبق على جميع المعضلات المجتمعية المعاصرة... ومن هنا تأتي أهمية الرؤى التي يصيغها علماء الاجتماع حول تلك بعض القضايا والمعضلات والمشكلات. وهذا ما يؤكده كتاب "المشكلات الاجتماعية"، لمؤلفه الدكتور محمد ياسر الخواجة، والذي يقدم فيه "رؤية نظرية ونماذج تطبيقية"، عبر سبعة فصول و270 صفحة. وفي الصدارة يتناول مفهوم المشكلات الاجتماعية وطبيعتها وأنماطها، وأسلوب تحديدها، وذلك من منظورات علمية تؤكد -على اختلافها- حقيقة ارتباط المشكلات الاجتماعية بالمجتمع، وأن وجود حياة اجتماعية لابد أن يُوجِد مشكلات. بيد أن الاهتمام بدراسة المشكلات الاجتماعية لا يقتصر على السلوك الانحرافي البسيط، وإنما يشمل أيضاً تلك الأنماط التي تعتبر مهددة لكيان الجماعة من ناحية ولقواعد السلوك الاجتماعي من ناحية أخرى. هذا علاوة على أن ما يجعل السلوك مشكلة ليس السلوك بذاته، بل نظرة المجتمع إليه. ثم يقدم الكتاب في فصله الثاني عرضاً تحليلياً ونقدياً لأهم المداخل السوسيولوجية حول فهم المشكلات الاجتماعية وتفسيرها، سواء أكانت مداخل كلاسيكية أم معاصرة، نقدية أم ستاتيكية، محافظة أم راديكالية، ويتوقف بصفة خاصة عند المدخل الوظيفي، ومدخل الباثولوجيا الاجتماعية، ومدخل الصراع، ومدخل التسمية، ومدخل التفاعلية الرمزية ، مبيناً أن كل واحد منها يقدم رؤية لتفسير وتحليل المشكلات الاجتماعية من زاوية معينة، ومن ثم لا يمكن الحكم على أي منها بالخطأ. فهناك مشكلات يمكن دراستها من المنظور الوظيفي، وأخرى من منظور الصراع، وثالثة من منظور التسمية، ورابعة من منظور التفاعلية الرمزية، فيما توجد مشكلات أخرى قد يتحتم الاعتماد على أكثر من مدخل واحد في دراستها. ويأخذ المؤلف عن الفين جولدنر فكرته حول الحاجة إلى علم اجتماع يتأمل ذاته بصورة تؤدي إلى فهم الباحثين فيه لدورهم وعلاقاتهم وقيمهم كبشر وكمواطنين، ومن هنا أيضاً ضرورة فهم المشكلات الاجتماعية في المجتمع العربي على ضوء معطيات الواقع المجتمعي، والاستعانة بالفكر النقدي والتحليلي للكشف عن جذور المشكلات الاجتماعية، وعن التشوهات التي أصابت البنى الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات العربية، وما ترتب على ذلك من وجود أنماط خاصة من المشكلات الاجتماعية في هذه المجتمعات. وفي مناقشته للضبط الاجتماعي وميكانيزمات مقاومة السلوك الانحرافي، يوضح المؤلف مفهوم الضبط وأهميته وأشكاله ووسائله وآلياته ومدى فاعليته. ويتوقف عند اتجاهين حول أهمية الضبط الاجتماعي في الحصول على مزيد من الامتثال داخل الجماعة، أولهما يرى أنه كلما زادت أدوات الضبط نفاذاً إلى الأفراد واصطبغت بالطابع الرادع، ظهرت آثاره في التقليل من نسب الانحراف. فيما يرى الثاني أن الفاعلية النهائية للضبط الاجتماعي تتوقف على طبيعة الجماعة من ناحية، وعلى نمط التنشئة الاجتماعية من ناحية أخرى. هذا بينما يرى المؤلف أن فاعلية الضبط الاجتماعي تتحقق بمزج الاتجاهين، وأن أفضل أساليب الضبط هي الأساليب الداخلية، وما يرتبط بها من مبادئ ثلاثة: البساطة والتلقائية والانتشار. وانتقالاً من النظري إلى التطبيقي، يعرّج بنا الكتاب على "الشباب الجامعي ومشكلاته المعاصرة" في مصر، سواء أثناء الدراسة أو بعد التخرج، ملقياً الضوء على أزمة الشباب وكيفية الخروج منها. وهو يرى أن إحدى قضايا الشباب ومشكلات التعليم ترتبط بحقيقة أن اختيار الطلاب لنوع الدراسة لا ينبع من رغبة حقيقية تعكس ما لديهم من مواهب وميول واستعدادات. كما يحلل العلاقة بين مخرجات التعليم ومعدلات البطالة. وغير بعيد من ذلك، يقدم تحليلاً اجتماعياً متعمقاً لظاهرة المعاش المبكر في ظل سياسة الإصلاح الاقتصادي والخصخصة، فيبين أسبابها وعواملها والآثار النفسية والاجتماعية الناجمة عنها. ويركز بصفة خاصة على طبيعة التغير في قيم العلاقات الاجتماعية للفرد المتقاعد، وطريقة اتخاذ قرار المعاش المبكر وأسبابه، وموقف الأسرة من ذلك القرار، وطرق استخدام مكافأة المعاش المبكر. ثم يعرض في فصل آخر لظاهرة البطالة والهجرة "غير الشرعية"، من خلال دراسة ميدانية في بعض القرى المصرية التي تشهد هذه الظاهرة، للتعرف على ملامحها وأسبابها والآثار الناجمة عنها. وهنا يؤكد التحليل الاجتماعي على العلاقة السببية بين البطالة والهجرة، حيث يساهم النظام التعليمي وتردي الأوضاع الاقتصادية في زيادة أعداد العاطلين، مما يدفعهم للبحث عن منافذ للهجرة. وأخيراً يقدم الكتاب مناقشة مفصلة حول العولمة وثقافة الاستهلاك في المجتمع المصري، فيوضح مفهوم العولمة وثقافة الاستهلاك ويبين كيف تسهم العولمة في نشر ثقافة الاستهلاك داخل نسيج المجتمع المصري عامة، والقرية المصرية خاصة. محمد ولد المنى الكتاب: المشكلات الاجتماعية المؤلف: د. محمد ياسر الخواجة الناشر: مصر العربية للنشر والتوزيع تاريخ النشر: 2011