تنتفض المنطقة العربية لأجل الديمقراطية وإنهاء الاستبداد، عبر مخاض عسير، من أوضح أمثلته الحالتان العراقية والكويتية وغيرهما من الحالات التي تشهد تجاذباً تختلف فيه الرؤى وفقاً للموقعين الاجتماعي والاقتصادي، حيث يغيب الإجماع. فقد تعرضت المنطقة العربية لهزات عنيفة أعاقت التطور الطبيعي للحراك الاجتماعي. وبدون الدخول في جدل تاريخي، فإن تطور مفهوم الديمقراطية ارتبط بالبرجوازية وبالحداثة، كنتيجة لتراكم تاريخي في حياة المجتمع البشري، إنها ببساطة تعني التمثيل في تسيير الشؤون العامة وتكريس مفهوم التعددية. وفي الحالة العربية تعرضت الديمقراطية للتشويه على أيدي الحركات الاجتماعية، سواء من اليسار أو اليمين، وحتى الحركات الدينية السياسية التي قصدت إلغاء دور البرجوازية تحت شعار العودة للماضي، مثلها مثل الحركات القومية التي رفعت شعار التحرر والوحدة العربية لتكرس الاستبداد بأشكاله المختلفة. وفي الحالة العربية نلحظ تراجعاً للطبقة الوسطى وإجهاضاً لتبلورها، ولعل في الحالة المصرية مثال ساطع حيث كان غياب هذه الطبقة أحد معضلات التطور الاجتماعي. والمعضلة اليوم أن الدولة العربية، من الخليج إلى المحيط، مازالت غير راغبة في التحول نحو الديمقراطية، بل تضع الكثير من العراقيل لإعاقة تطورها، ولعل المشهد المصري الحالي يجسد طبيعة الجدل في تحول الدولة، فمناهضة التحول لا تقتصر على الداخل المصري، وإنما هناك قوى إقليمية تشعر بقلق إزاء قيام ديمقراطية حقيقية تعيد لمصر حيويتها المحورية، وهذا ما يفسر صعود قوى الإسلام السياسي لكونها ترتبط بتأثيرات المال النفطي. ما يحدث من صراع في مخاض التحولات جسده لنا غرامشي، مؤسس فكرة المجتمع المدني الذي اعتبره الأداة لإصلاح المجتمع السياسي وإعادة بنائه وفق أسس أخلاقية وإنسانية. وتحدث المواجهة حين تعمل الأنظمة المستبدة وفق آليات لإعاقة التطور، لكن التاريخ لا يسير وفق رغباتها دائماً، وإن كان لها -في التحليل الاجتماعي- أن تحاول المحافظة على مصالحها، فالتحول مازال مخاضاً، والمراهنة هنا قد تفشل لأن المجتمع الشبابي المنتفض يعمل هو أيضاً وفق آلياته، والحل يكمن في بلورة مشروع وطني يحمي شرائح الحكم والمعارضة معاً وفق تفاهم يقوم على قاعدة المواطنة والدولة الحديثة، القاعدة التي تضمن لشرائح الحكم حقوقها وتحمي المجتمع من الانزلاق وتجنبه الانفجارات غير المتوقعة. الحالة الكويتية تجسد الواقع الخليجي الذي يختلف عن واقع باقي المناطق العربية، لأن المال النفطي أداة فاعلة، سواء في التطوير أو في إعاقة التطور. وفي المشهد الكويتي يتفاعل المحلي مع الإقليمي نتيجة لتشوه طبيعة القوى الاجتماعية، حيث نجد الشريحة التجارية التقليدية تحاول الاحتفاظ بنفوذها، مقابل نمو شرائح اجتماعية جديدة لا تجد الدولة الحاضنة لها، أو بالأحرى تفتقد حيادية الدولة، مما يعجل بمواجهات اجتماعية تكون الدولة الخاسر فيها. والمخرج يكمن في إعادة فهم دور الدولة كحاضنة لمختلف الشرائح الاجتماعية، ولمهمتها في بلورة المشروع الوطني القائم على قاعدة المواطنة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. د. علي الطراح