انتعشت حظوظ أوباما الانتخابية خلال الأسبوعين الماضيين بعد انطلاق حملته الانتخابية وتسارع وتيرتها تمهيداً للموعد النهائي للتصويت في نوفمبر 2012، فقد بدأت تظهر أولى علامات التحسن على الاقتصاد الأميركي الذي مر بظروف صعبة خلال السنة الجارية بسبب ارتفاع معدلات البطالة واستمرار أزمة العجز وما ارتبط بها من صراع سياسي في الكونجرس لإقرار الموازنة والنفقات الإضافية، ومن تلك العلامات الإيجابية التي خدمت حملة أوباما الانتخابية التقارير التي تشير إلى تحسن مستويات التوظيف وخروج قطاع الصناعة المتأزم من ركوده، هذا بالإضافة إلى الإمدادات المهمة من الغاز الطبيعي التي تم اكتشافها في ولاية بنسلفانيا والتي من شأنها تعزيز القدرة التنافسية للشركات الأميركية... كل هذه التطورات الجيدة انعكست مباشرة على المستهلك الأميركي الذي تشير الأرقام إلى تنامي ثقته في الاقتصاد، كما ارتفعت شعبية أوباما في استطلاعات الرأي لتحوم حول 50 في المئة، وهو الحد الأدنى المطلوب عادة لإعادة انتخاب الرئيس لولاية ثانية في أميركا. ولا ننسَي الصراعات الداخلية بين المرشحين الجمهوريين، والانقسام الذي يعاني منه الحزب ودوره في تعزيز حظوظ أوباما الذي يبدو حتى اللحظة أكثر تماسكاً من خصومه الجمهوريين، لكن ذلك لا يعني أن المعركة محسومة سلفاً بالنسبة لأوباما وبأن الطريق إلى ولاية ثانية باتت مفروشة بالورود. فدون ذلك العديد من العراقيل والصعوبات، فرغم استمرار المشاكل الاقتصادية في أوروبا، واستفحال أزمة الديون مع صعود اليونان إلى الواجهة مرة أخرى، وترنح باقي الاقتصادات الأوروبية... يتجسد التحدي الأكبر الذي يتهدد أميركا وفرص أوباما في الأوضاع غير المستقرة بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، واحتمال تصاعد التوتر إلى درجة ترغم أميركا على التدخل ومن ثم تقويض التحسن الطفيف في الاقتصاد الأميركي. ولا شك أن تضافر الأزمات من شمال أفريقيا إلى الخليج العربي، يجعل من المنطقة مكاناً خطراً للغاية، لاسيما في ظل التهديدات المستمرة بتوجيه ضربة إسرائيلية لإيران على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل. والأمر لا يقتصر فقط على تهديدات القادة الإسرائيليين، بل يمتد أيضاً إلى الخطاب السياسي المتشنج لدى العديد من المرشحين الجمهوريين الذين يلوحون بخيار القوة في التعامل مع إيران ويدعون صراحة إلى ضرب منشآتها النووية... وهذه التهديدات دفعت وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، إلى التحذير من أن ضربة عسكرية ضد إيران ستكون بين الآن وحتى الصيف المقبل، ويستند التحذير فيما يبدو على قراءة الموقف الإسرائيلي الذي يعتبر أن إيران حققت ما يكفي من التقدم على صعيد برنامجها النووي وبأنها باتت أقرب من امتلاك القنبلة، ما يستدعي التدخل السريع لضرب محاولاتها وتعطيلها. والخوف من أن نتنياهو ربما يحركه الاعتقاد بأنه إذا أعيد انتخاب أوباما في شهر نوفمبر المقبل، فإن حماسته ضد إيران قد تخفت لتجد تل أبيب نفسها وحيدة في مواجهة طهران، وهو التقدير الذي ربما يدفع إسرائيل للتعجيل بضربة عسكرية لتوريط أوباما. وطالما كان الاقتصاد الأميركي في أزمة والمؤشرات سلبية، كان نتنياهو مطمئناً إلى أن مرشحاً جمهورياً أكثر صداقة لإسرائيل سيدخل البيت الأبيض، لكن الآن وبعد التحسن النسبي للاقتصاد الأميركي بدأ نتنياهو يعيد حساباته، ولو حصلت حرب في منطقة الخليج فستكون النتيجة المنطقية ارتفاع أسعار النفط على المدى القريب وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي. ولأن الأميركيين يعتمدون كثيراً على الغاز الطبيعي في حياتهم اليومية ونشاطهم الاقتصادي، فإن أي ارتفاع في أسعاره سينعكس على كلفة المعيشة، وبالطبع سيؤثر ذلك سلباً على الاقتصاد وبالتالي على حظوظ أوباما في إقناع الأميركيين بالتصويت عليه. وفيما عدا إيران وما قد تجره من حرب في المنطقة، هناك أيضاً الوضع في ليبيا ومصر الذي ما زال غامضاً وغير مستقر، فالبلدان يعانينان من غياب حكومة قوية مع احتمال تصاعد العنف وخروجه عن السيطرة. كما أن التقارير التي تشير إلى تصاعد نشاط "القاعدة" في سيناء والصحراء الليبية، يثير العديد من المخاوف. أما في سوريا فإن الأزمة هناك قد تنزلق نحو حرب أهلية طويلة ودموية تزعزع استقرار المنطقة بعد انتقال تداعياتها إلى الجوار في لبنان والعراق. هذا بالإضافة إلى الأيادي الإيرانية في سوريا، والتي تسعى إلى دعم النظام الحاكم في دمشق خوفاً من فقدان قاعدتها في بلاد الشام إذا ما سقط نظام الأسد وصعدت قوى سنية لتحكم سوريا. وكأن ذلك لا يكفي، فهناك أيضاً النزاع المتبلور بين إسرائيل وقبرص من جهة وتركيا ولبنان من جهة أخرى، حول استغلال حقول النفط والغاز التي تم اكتشافها في مياه البحر المتوسط، وقد وصل الأمر إلى تهديد تركيا ولبنان بمنع إسرائيل من استغلال تلك الموارد بدون اتفاق مسبق، فيما أعلنت الدولة العبرية بلهجة صارمة أنها ستستخدم القوة لحماية ما تعتبره مواردها النفطية. لكن يبقى السيناريو الأسوأ الذي قد يخلط الأوراق تماماً ويطيح بإمكانية انتخاب أوباما، تدخل أميركا لمؤازرة إسرائيل في حربها ضد إيران، ولجوء هذه الأخيرة إلى ضرب قواعد أميركية في الخليج مع ما قد يترتب على ذلك من فوضى عارمة تزعزع استقرار المنطقة وتعيق تدفق إمدادات النفط إلى الأسواق العالمية. لكن في حال استطاع العالم تجنب حرب ضد إيران من الآن وحتى موعد الانتخابات الأميركية في 6 نوفمبر 2012، فإن إدارة أوباما، في حال إعادة انتخابها، ستتحرر من الضغوط الإسرائيلية والداخلية التي تدعو إلى ضرب إيران لتلجأ في المقابل إلى دبلوماسية أكثر حزماً تحقق نتائج ملموسة دون استخدام القوة. وربما لهذا السبب تسعى حكومة اليمين الحالية في إسرائيل بزعامة نتنياهو إلى استغلال الضغط الممارس على أوباما لجني أكبر قدر من المكاسب في العلاقة مع إيران ودفع مراكز القوى الأساسية في الولايات المتحدة متمثلة في الحزب الجمهوري بجناحه المحافظ وجماعات الضغط، علَّ ذلك يقود إلى ضربة عسكرية ضد طهران تخلص إسرائيل من هواجسها حول البرنامج النووي الإيراني، حتى وإن كانت الضربة ستطلق جحيم الفوضى والعنف في المنطقة.