تشتهر جزر المالديف تلك الدولة - الجزيرة، الواقعة في المحيط الهندي بشواطئها الرائعة، ومياهها الزرقاء ومنتجعاتها الشاطئية الفاخرة. ولكن الجزيرة تحولت الآن إلى مركز لاضطرابات سياسية كبيرة بعد استقالة الرئيس محمد نشيد الذي ينسب إليه الفضل في تحقيق الديمقراطية في البلاد، وادعائه بعد ذلك أنه قد أُقصي من الحكم بالقوة المسلحة. وبعد إعلان استقالة "نشيد"، أقسم نائبه "محمد وحيد حسن" القسم الرئاسي وتولى الحكم في البلاد. ويُشار إلى أن المالديف، وهي عبارة عن أرخبيل من الجزر(1192 جزيرة) كانت قد انتخبت أول حكومة ديمقراطية لها عام 2008 بعد 30 عاماً من الحكم الأوتوقراطي تحت قيادة مأمون عبد القيوم. وكان هناك أمل كبير أن يقوم الرئيس الجديد الذي انتخب آنذاك "محمد نشيد" وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان كان قد سُجن عدة مرات خلال حكم "عبدالقيوم"، بإحداث تغيير جذري في تلك الجزيرة يعزز من خلاله الديمقراطية هناك. وقد جذب "نشيد"، وهو من المدافعين المتحمسين عن البيئة الاهتمام لموضوع التغير المناخي بشده بعد توليه، عندما عقد اجتماعاً لمجلس الوزراء بكامله تحت سطح الماء، وبملابس الغوص. ولكن الرجل الذي نسب إليه فضل تحقيق الديمقراطية في البلاد انتهى به الأمر إلى فقدان سلطته ومواجهة اتهامات بقيامه بتصرفات أوتوقراطية خلال الفترة التي قضاها في الحكم. فمنذ شهر مايو من العام الماضي، شهدت "المالديف" احتجاجات متقطعة بشأن طائفة من المسائل تراوحت ما بين السخط على حالة الاقتصاد، والبطالة المتنامية إلى الاحتجاجات المناوئة للحكومة التي قامت بها أحزاب المعارضة السياسية. وحتى أثناء قمة دول"سارك" أو قمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، أحرج المتظاهرون في مدينة"أدّو" حكومة المالديف من خلال مهاجمة تمثال كان قد أهدى من باكستان، وعلى ما يبدو أنهم شعروا بالغضب بسبب بعض الرموز التي احتوى عليها التمثال، والتي رأوها "غير إسلامية"، وكان السبب الأساسي الذي أطلق شرارة الاحتجاجات الأخيرة هو القبض على القاضي عبدالله محمد بتهمة الفساد وممالأة رموز المعارضة بما فيهم الرئيس الأسبق مأمون بعد القيوم الذي يرأس حزب المعارضة الرئيسي في الوقت الراهن. ويشار في هذا السياق إلى أن حكومة محمد نشيد، لم تنجح في إقامة علاقات جيدة مع باقي الأحزاب حيث اتسمت علاقاتها مع أحزاب المعارضة الأصغر حجماً مثل حزب الشعب المالديفي، وحزب الجمهورية، وحزب العدالة بالتوتر خلال الفترة التي قضتها في الحكم. وعلى مدى السنوات الثلاث السابقة، ظل القرار الذي أصدره "نشيد" بالقبض على كبير القضاء سبباً مستمراً من أسباب احتدام المعارضة ضده لدرجة أن نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، ورئيس الجمهورية الآن "محمد وحيد حسن " نفسه شارك في الانتقادات التي وجهت للرئيس بالقبض على كبير القضاة في منتصف الليل. ولم تقتصر الانتقادات على ذلك، حيث تعرض القرار للانتقادات أيضاً من جانب محكمة المالديف العليا ومفوضية حقوق الإنسان، ومفوضية الخدمات القضائية في الجزيرة بل وحتى مكتب الأمم المتحدة للمفوض الأعلى لحقوق الإنسان. ومنذ ذلك الحين ظلت الاحتجاجات تتفاقم ضد "محمد نشيد" إلى أن انفجر الوضع بصورة عنيفة الأسبوع الماضي، بعد أن انضم المئات من جنود الشرطة وضباطها للتظاهرات المناوئة للحكومة، كما تصادمت الشرطة مع قوات الجيش في شوارع العاصمة" ماليه". وبعد هذا الانفجار للاحتجاجات والصدامات وانتشار العنف في بعض المناطق، خرج "نشيد" على الشعب المالديفي بخطاب متلفز أعلن من خلاله استقالته بسبب رغبته كما قال في تجنيب البلاد المزيد من العنف الذين، يمكن أن يؤدي لانهيارها، وأنه غير مستعد لأن يحكم البلاد بقبضة من حديد، كانت معظم التنبؤات تشير إلى أن الهدوء سيعود إلى العاصمة المالديفية بعد استقالة "نشيد" وحلول محمد وحيد نائبه محل كرئيس للجمهورية بدعم من كافة الأحزاب القومية في البلاد، ولكن ما يبدو الآن أن ما حدث لم يكن سوى بداية لمتاعب جديدة في البلاد التي كانت تمثل جنة للسياح وتجتذب ما يقرب من 800 ألف سائح سنوياً. وخلال اليومين الماضيين اندلع العنف مجدداً في عدد من جزر الأرخبيل المالديفي وقام أنصار محمد نشيد -هذه المرة- بالاصطدام بقوات الشرطة، كما شهدت مدينة "إدو" ثاني أكبر مدن البلاد بعض أحداث العنف. وكان "نشيد" قد ادعى بعد يوم واحد من إبعاده عن الحكم بأنه قد أجبر على الاستقالة تحت تهديد السلاح، وأنه أرسل أسرته إلى سريلانكا خوفاً على سلامتها، وزعم كذلك أن خليفته "محمد وحيد" كان شريكاً في انقلاب دبر ضده وهي تهمه يرفضها "وحيد" بشدة. كما أنكرت الحكومة الجديدة أن "نشيد" قد أجبر على التخلي عن الحكم. ولا تزال الجزيرة حتى الآن تعاني من حالة من عدم الاستقرار والتقلب، خصوصاً بعد أن أصدرت الحكومة أمر قبض رسمي ضد "نشيد" ووزير دفاعه "صولت أبراهيم كاليفانو". وعلى ما يبدو أن الأزمة الحالية لن تُحل في القريب العاجل. إن الهند لديها مصلحة كبيرة في الاستقرار السياسي في الجزيرة الصغيرة التي تعتبر في غاية الأهمية لها بسبب موقعها الاستراتيجي المتاخم الجنوب غرب الهند، والذي يشرف على ممر مائي رئيسي، وبسبب استثمار نيودلهي لمليارات الدولارات في الجزيرة. وقد دقت أجراس الإنذار في كافة المؤسسات الأمنية الهندية، بعد الجهد الملحوظ والمركز الذي بذلته الصين، كي يكون لها آثار أقدام في المالديف، وقامت في هذا الإطار بافتتاح سفارة جديدة لها هناك كما بدأت تستثمر بكثافة في الجزيرة. والهند كانت أول دولة تتفاعل مع التطورات التي شهدتها المالديف، حيث أعلنت أنها ستقدم دعماً وتعاوناً كاملاً لحكومة المالديف الجديدة. ومن المفهوم أن الهند كان لها دور في التغيير الذي وقع في "المالديف"، وكان تعتقد أنه سيتم بشكل سلس، ولكنها أخطأت التقدير في ذلك. وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة قد وعدت بتحقيق الاستقرار في البلاد من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تتكون من أعضاء من كافة الأحزاب فإن "محمد نشيد" لم يبد حتى الآن استعداداً للذهاب لأي مكان، وما زال يصر على القول بأن هدفه النهائي هو إرغام الحكومة الحالية على الدعوة إلى انتخابات رئاسية من جديد. د.ذكر الرحمن مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي