قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان "نافي بيلاي" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "إن القوات السورية ارتكبت «على الأرجح» جرائم ضد الإنسانية خلال قمعها للحركة الاحتجاجية في سوريا"، وأضافت في خطابها "إن فشل مجلس الأمن في الاتفاق شجع النظام السوري على استخدام القوة المفرطة لسحق المعارضة.. فهل يمكن الحديث عن سيناريو التدخل الإنساني في سوريا بإعادة استنساخ نموذج التدخل الدولي الإنساني في ليبيا؟ استطاع النظام السوري أن يؤخر سقوطه عبر سياسة الترهيب والتخويف الممتد لأحد عشر شهراً مراهناً على القضاء على الانتفاضة بالجيش النظامي والميليشيات المسلحة غيرالنظامية، فالقوات السورية تحاصر المدن وتدك المدفعية الأحياء السكنية فيما تتولى القوات غير النظامية قنص وقتل المحتجين، كما اتبع النظام سياسات قمعية تهدف إلى عزل المدن والأحياء ووضع الحواجز الأمنية وفرض حظر للتجول. لقد أظهر نظام الأسد حتى اليوم شراسة غير عادية أعادت للذاكرة مجزرة حماة عام 1982 حين شن حافظ الأسد حملة عسكرية على المعارضة في حماة أدت إلى مجزرة راح ضحيتها ما بين 10 آلاف إلى 25 ألف شخص، وفق تقديرات منظمة العفو الدولية. إن ارتفاع أرقام القتلى والصور الصادمة كفيلة بأن تؤجج حركة احتجاج دولية للمناداة بوقف العنف والتدخل الدولي الإنساني، إلا أن هذا الخيار يتطلب إجماعاً دوليّاً يتجسد بقرار يعكس رغبة المجتمع الدولي في إدانة الانتهاكات، ويشرع للتدخل الإنساني، وعلى رغم تزايد الأصوات في المجتمع الدولي المطالبة بالتدخل الإنساني إلا أن الحالة السورية تختلف جذريّاً عن الحالة الليبية على رغم تشابه ظروف القمع ودموية النظام في قمع المظاهرات السلمية، ومع تكرار مطالب المعارضة بضرورة التدخل الإنساني لا زال التدخل بعيد المنال. ومع حداثة عهد التدخل في ليبيا وتكرار حالات التدخل الإنساني وكذلك توافر مسوغاته في سوريا كما حدث في العراق 1991، والصومال 1992، وكوسوفا 1999، إلا أن مفهوم التدخل الإنساني ما زال مثاراً للجدل السياسي والقانوني، فعلى رغم السوابق لم يتحول إلى قاعدة قانونية عرفية ملزمة، فضبابية المصطلح وعدم تحديد المعايير والضوابط مكنت الدول الكبرى من أن تفرض رؤيتها الخاصة المصلحية بغض النظر عن الاعتبارات الإنسانية أو الأخلاقية، وبغض النظر عن الإجماع الدولي المتمثل في قرار الجمعية العامة الصادر في 16 فبراير الجاري حيث دعا إلى إدانة انتهاك حقوق الإنسان في سوريا ووقف العنف. يتعين الإقرار بأن تركيبة وآلية عمل مجلس الأمن استمرت على الدوام تعكس ميزان القوى الدولي، وتعكس مصالح الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، ويأتي "الفيتو" الروسي الصيني على مشروع قرار لإدانة النظام السوري انعكاساً لمصالح الدول في المجلس، ورداً على تبني مجلس الأمن لقرار عبر امتناعهما عن التصويت في الحالة الليبية سمح لاحقاً لحلف شمال الأطلسي بشن حرب في ليبيا حتى سقط النظام، وهو السيناريو الذي لن يسمح بتكراره في الحالة السورية على رغم انتهاكات حقوق الإنسان ودموية النظام. يستند النظام السوري لتحالفات إقليمية ودولية ما زالت تراهن على بقائه، ومحاولة إنهاء الأزمة السورية مع الحفاظ على التوازنات الإقليمية، تعرف دول الجوار أن التدخل الدولي في سوريا من شأنه أن يزعزع الاستقرار الدقيق في المنطقة، ومن شأنه أن يفتح المجال لصراعات إقليمية، فالحفاظ على الوضع القائم يتطلب تنازلات سورية، والواقعية السياسية تنحي بخيار التدخل الإنساني الدولي جانباً، ففي الحالة السورية عندما تتحدث السياسة تصمت حقوق الإنسان.