ونحن نقترب من موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يبرز العديد من الافتراضات المحيطة بمنصب الرئيس ودوره في صنع القرار يمكن إجمالها في خمس أساطير أساسية، أولاها ما يقال من أن الرئيس له مطلق السلطة ومنتهى الصلاحيات لإنجاز الأمور وإتمامها. والحال أن هذه الصورة ساهمت في الترويج لها السلسلة التلفزيونية "ويست وينج" التي تعرضها محطة "إن بي سي" وفيها يبدو البيت الأبيض وكأنه المقر الذي يُحرك منه العالم والأكثر قدرة على الإنجاز وتمرير القرارات مهما كانت، فمع أن الرئاسة في الأصل لم تصغ لحل جميع المشاكل، إلا أن العديد من الأميركيين ينظرون إلى الرئيس باعتباره البطل الخارق الذي يستطيع تسلق البنايات الشاهقة في ولاية رئاسية واحدة وخفض الديون المتراكمة، فضلاً عن حمايتنا من الإرهاب. ولعل ما يعزز هذه الصورة المغلوطة بعض مظاهر السلطة الأمنية المحيطة بالرئيس والأجهزة السرية المختلفة التي تتولى حمايته وتخضع لأوامره، بالإضافة إلى ما يخوله له الدستور من صلاحيات فعلية مثل إصدار الأوامر التنفيذية وإرسال القوات المسلحة إلى أرض المعركة، ثم تحكمه في الحقيبة النووية والشفرة السرية. ولكن بعيداً عن هذه الاختصاصات التي قد تبدو كبيرة يظل تسيير الشأن العام ومباشرة الحكم على أرض الواقع أمراً آخر، فالآباء المؤسسون أرادوا من الرئاسة أن تكون مؤسسة قوية وقائمة بذاتها، ولكن على أن تكون في الوقت نفسه خاضعة للمحاسبة والمساءلة والمراقبة من قبل مؤسسات أخرى تقتسم السلطة معها. والنتيجة أن الرئيس لا يستطيع فرض القرارات، بل هو محتاج للتوافق والتعاون، وقد عبر عن هذا الواقع "ويليام هوارد تافت" قبل قرن من الزمن قائلاً: "إن الرئيس لا يستطيع إصدار أوامره للذرة بالنمو، ولا أن يصلح من أمر الشركات". ولعل أوباما يعرف ذلك جيداً ويدرك حدود منصبه، إذ لا يقوى على خلق مناصب الشغل ولا ضمان النصر في الحروب، ولا حتى حماية الأمة من أزمة الديون الأوروبية. بيد أن هذه ليست هي الأسطورة الوحيدة المتعلقة بمنصب الرئيس، بل إن هناك من يضيف إليها أخرى تذهب إلى أن الحرب تعزز من قوة الرؤساء وتلمع سمعتهم، والحقيقة أن ذلك ربما كان صحيحاً مع الرئيسين أبراهام لينكولن وفرانكلين روزفلت اللذين تعززت سلطتهما بالحروب التي انتصرا فيها وحسماها على أرض المعركة، وهو ما أكده كارتر عندما سألته لماذا لم نحصل على رئيس بعظمة روزفلت أجاب "لأننا لم نخض حرباً جديدة كبيرة"! ولكن بالنسبة لأغلب رؤساء القرن العشرين كان للصراع المسلح أثر سلبي على مشوارهم، فقد غادر هاري ترومان الرئاسة بأدنى معدل شعبية لا يتجاوز 32 في المئة بسبب الحرب الكورية، كما أن ليندون جونسون اختار عدم الترشح لولاية ثانية في عام 1968 بسبب مستنقع فيتنام، أما بوش الأب فقد انتصر على نظام صدام إلا أنه خلط ذلك مع ما يهم الأميركيين وهو الاقتصاد ما عجل بخروجه من الرئاسة في الولاية الأولى. وحتى بوش الابن الذي خاض حرب العراق لمرة ثانية فقد وجد نفسه في مستنقع يصعب الخروج منه. ولكن فيما عدا الحروب هناك أيضاً أسطورة الشخصية القوية التي يجب أن يتمتع بها الرئيس حتى يكون ناجحاً في مهامه، وهو شرط ضروري وما علينا في هذا السياق سوى تأمل خصال جورج واشنطن وما تميز به من نزاهة وواقعية، وتصميم لينكولن وعاطفته، وثقة روزفلت وتفاؤله، إلا أنه من الصعب تقييم الشخصية ووضع معايير محددة لقياسها، فهل تقاس مثلاً بالسلوك الشخصي؟ أم أنها مرتبطة فقط بالأداء العام؟ فروزفلت على سبيل المثال كان خائناً لزوجته إلا أنه كان رئيساً عظيماً، كما أن كيندي المعروف بتعدد علاقاته النسائية ألهم جيلاً كاملاً من الأميركيين، وحتى فيما يتعلق بثقافة الرئيس والشهادات العليا التي حصل عليها التي قد يراها البعض ضرورية فهي أيضاً تدخل في باب الأساطير المتعلقة بالرئاسة في أميركا. فليس هناك تأهيل خاص بالرؤساء في الولايات المتحدة، ومع أن الخبرة الطويلة في الخدمة العامة وإدارة شؤون الدولة قد تكون مهمة في نجاح الرئيس، إلا أنه لابد من الإشارة إلى الرئيسين جميس بوكانان وهربرت هوفر، اللذين كان لهما أفضل تعليم وأحسن تجربة في مجال الأعمال دون أن يحققا نجاحاً كبيراً في رئاستيهما، كما أن الرئيس كارتر كان مهندساً نوويّاً وخريج جامعة أنابوليس الراقية، وأحد بحارة الغواصات الأميركية، ومع ذلك لم يصل في شعبيته وقدرته إلى درجة هاري ترومان الذي كان الرئيس الأميركي الوحيد في القرن العشرين دون شهادة جامعية. وربما كان للذكاء الوجداني والتجربة العملية دور أكبر من الشهادات الأكاديمية في صقل مهارات الرئيس وتأهيله لقيادة البلاد، وقد أظهر كيندي قدرة كبيرة في قراءة الأفكار والتعامل مع الآخرين مثلما حصل في أزمة الصواريخ النووية مع الاتحاد السوفييتي التي استطاع تجاوزها دون إشعال حرب مدمرة، وأخيراً هناك من يربط، في أسطورة أخرى خامسة، بين منصب الرئاسة وقصر العمر بالنظر إلى ما يسببه المنصب من ضغوط كبيرة على الرئيس تؤثر على صحته، والحقيقة أن التجربة العملية تفيد بأنه في غياب الاغتيالات التي تستهدف الرؤساء مباشرة فإنهم يعمرون طويلاً ويدل على ذلك معدل الحياة الذي يصله الرؤساء والمحدد في 81,6 سنة، هذا ناهيك عن أن أربعة من الرؤساء الأميركيين بلغوا التسعينيات من عمرهم وهم ريجان وجيرالد فورد وجون آدمز وهوفر. آرون ديفيد ميلر باحث في مركز ودرو ويلسون الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"