العالم الآن أمام لغز شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي استوزر لفترتين رئاسيتين، وتغيَّر من حوله العالم، إلا أنه يأبى أن يتغيَّر لا في سياساته ولا في مواقفه من مشروع السلام مع الفلسطينيين ولا مع المبادرة العربية الشاملة بعد إعادة الحق الفلسطيني إلى نصابه وفق ما هو متاح على طاولة المفاوضات التي أصابها النخران بسبب عدم القيام بصيانته وتقويته لتحمل العبء الذي يمثله نتنياهو بالذات عليها. ويُعيد نتنياهو نفسه حرفيّاً في كل مرة تتقارب فيها الفصائل الفلسطينية من أجل وحدة الصف للتوصل إلى الدولة الفلسطينية الموعودة دون عقبات داخلية تسبب في تأجيلها أو إيقاف عجلتها إلى حين وتتضح مواقف نتنياهو المتطرفة من عملية السلام في إدانته مؤخراً الاتفاق بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" الذي أعلن في قطر، حيث قال إن هذا الاتفاق يتعارض مع عملية السلام مع إسرائيل. وأصدر على الفور أوامره وتعليماته المتواصلة منذ فترة طويلة، وقال إن السلطة الفلسطينية يجب أن تختار بين اتفاق مع حماس "أو سلام مع إسرائيل"، بحجة أن "حماس والسلام لا يسيران جنباً إلى جنب، وأنها منظمة إرهابية تهدف إلى تدمير إسرائيل"، على أن نتنياهو هو الذي وافق على صفقة "حماس" في إطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن "شاليط". هذا مع العلم أن نتنياهو ذاته كان يتعلل بالفرقة الفلسطينية وعدم الوحدة الوطنية، وخاصة بعد انفراد "حماس" بالحكم في غزة وشن الحرب عليها، إلا أن هذا التقارب الفلسطيني يعد وفقاً لسياسته المتطرفة غير ملائم لشروط التفاوض بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. إننا أمام نقطة تعجيزية ليس إلا في المضي بالسلام المطلوب إسرائيليّاً حتى نهايته المجهولة، فلو كان لسياسة التنازلات المتعاقبة التي قدمت بين يدي إسرائيل خلال العقود الماضية دور إيجابي لصالح السلام لما وصلت سفينة السلام المعطوبة إلى حالة أعجزت اللجنة الرباعية الخاصة بصيانتها عن القيام بواجبها تجاه عملية السلام برمتها. وهذا الرفض القاطع من قبل نتنياهو للمسارات التصالحية بين "حماس" و"فتح"، بالإضافة إلى تأخر الزمن الفلسطيني عن اللحاق بالأجندة السياسية التي تغيرت بسبب مباشر من الأحداث التي وقعت في بعض البلدان العربية المحورية، وخاصة مصر التي يعوّل عليها في القضية الفلسطينية ماضيّاً وحاضراً، فهذا الوضع الطارئ على العالم العربي يعطي مبرراً آخر لنتنياهو بالمضي في مشاريعه الاستيطانية إلى أقصى حد ممكن، مستغلاً الظرف الاستثنائي الذي يحوم حول المنطقة العربية التي لم تستقر على حال. لا شك أن هذه الأوضاع المضطربة جاءت خادمة لما يدور في ذهن نتنياهو الذي يقوم في الداخل بتغيير الخريطة السكانية والإسكانية بشكل يومي ومخطط، أما في الخارج فإنه يتفرج على ما يحدث في بعض أجزاء من العالم العربي دون أن يعلق على ذلك الوضع سلباً أو إيجاباً. فإسرائيل اليوم تعتبر نفسها في أفضل وضع تستطيع من خلاله فعل ما يحلو لها في الداخل الفلسطيني وعلى كل الأصعدة، فهي إلى هذه الساعة المستفيد الأول مما يحصل في منطقة الشرق الأوسط والدليل على ذلك أن إسرائيل لم تمس بكلمة في كل الدول التي طالتها الأحداث، ونقلت معركتها على الفور إلى جبهات أخرى بعيداً عن حرصها على قيام دولة فلسطينية في الأفق المنظور.