في الأسبوع الماضي افتقدنا الشاعر أحمد راشد ثاني، هذا الشاعر الذي اعتمد على مفردات أنيقة من بينها قصيدته المعنونة بـ"هاي يداي فارغتان"، فقد كنا نحسب أنه شاعر استعراض، وأننا نحن الجيل القادم المولع بشغف القصيدة، وألق الكلمات سنتفوق عليه. لكنه لم يكن عادياً، ولم تكن قصائده تخشى المنافسين، وكانت الساحة آنذاك تكتظ بالأسماء والنجوم، والأغاني المتألمة من ليل طويل لا ينتهي، ولكنها كانت تنتهي بديوان وعراك على صفحات الثقافة في صحفنا اليومية التي تشع قصائد وقصصاً وأخبار سجالات حامية بين أصحاب الكلمة ومن شاكلهم. افتقدنا أحمد راشد ثاني اليوم...فهو الذي أنكفاً في الوصول إلى القصيدة الحلم التي يطمح إليها دوماً، ورأى كيف تحول الفكر والثقافة إلى مجال مهم، وليس مجرد خبر يجاريه البعض تاركين خلفهم حريق المشاعر، أو سرد سير الواقع وكشف المستحيل. رحل أحمد راشد ثاني، تاركاً سجالاتنا ومنافساتنا وأمنياتنا الشعرية المكتظة بالهموم والسخرية والعلاقات القائمة على عشق أزلي للكلمة. وهو الذي أيقظ الكثير من الأسئلة والنقاشات المتعلقة بواقعنا الثقافي وحياتنا الثقافية وأنشطتها. أين ذهب الصغار المتحلقين حول دفئ القصيد؟ لماذا لم يعودوا يصرخون بأنهم الأجمل كما كنا نفعل وقت انشغال الموهبة وفهم القراءة لكل شيء حتى لأبسط الكلمات؟! لم يحتمل قلبه مزيداً من مغامرات الشعر، لم يعد يستطيع أن يحتمل ما يدور في الساحة الثقافية من سجالات، ورحل دون أن يدرك أجوبة جلية تزيح عن الصدر قلق الاستفهام. نعم غادر الشعراء ولم يعودوا، وإن عادوا فإنها فقط أرواحهم الثكلى التي لا تفتأ أن تزورنا وتزودنا بقليل من الصبر وبكثير من الشِعر. افتقدنا أحمد راشد ثاني، وسيسأل عنه البحر طويلاً، وسيكون اسمه علامة فارقة في مشوار هذا الوطن من خلال نحت طريق من القصائد والأفكار والأعمال الأدبية المختلفة طريقاً صعباً دخلنا دروبه ونحن أعلم بأنه لن يكون له آخر. درب شائك لولا يقيناً يساور شكوكنا ويدرأها بأن الحياة تستحق القصيدة، والتاريخ شاهد إثبات على شرف محاولاتنا جميعاً بأن نعبد الطريق، وأن نضع أسماء الرفاق علامات تدل على اتجاهاته وعلى مفترقاته وعلى نهايته الواحدة الأكثر رحابة واتساعاً. ونقول لأحمد راشد ثاني: وداعاً...ولن تكون يداك فارغتين بعد اليوم، فقد امتلأت بالكلمات، والقصائد والمستقبل، الذي سيكون كما كنت تحلم، أياً كانت المستحيلات!