خلال الأسبوع الماضي اجتمع أوباما وباقي زعماء الدول في سيؤول لحضور قمة الأمن النووي ومناقشة التهديدات والأخطار الناجمة عن المواد النووية غير المؤمنة، لكن إذا كان أوباما مهتماً حقاً بتأمين المواد الانشطارية، فعليه النظر جدياً في التخلص نهائياً من 450 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات منتشراً في الولايات المتحدة ومستعداً للانطلاق في أي وقت، ففي الأسبوع الماضي كنا من بين 15 متظاهراً تم اعتقالهم ليلاً بالقاعدة الجوية "فاندربورج" بكاليفورنيا بسبب احتجاجنا على تجربة أميركية لإطلاق صاروخ جديد من تلك العينة. أما التبرير الذي ساقه المسؤولون العسكريون، فكان ضمان جاهزية قوة الردع النووي الأميركية، والحال أن تلك الصواريخ الأرضية المتأهبة للانطلاق والمحملة برؤوس نووية تضر بقوة الردع الأميركية ولا تعززها، ذلك أن مجرد نشر الصواريخ بتلك الكثافة قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة والتعجيل بفناء الجنس البشري بسبب احتمال الرد على إنذار خاطئ. والأمر هنا لا ينطوي على أية مبالغة، فالصواريخ الأرضية المحملة برؤوس نووية معدة أصلاً لتوجيه الضربة الأولى، وليس لتلقي ضربة العدو، لذا فإنه في حالة صدور تحذير بهجوم روسي وشيك بالأسلحة النووية سيكون الحافز قوياً لإطلاق 450 صاروخاً قبل أن تدمرها صواريخ العدو على الأرض، وإذا ثبت أن الإنذار مزيف- وهناك حالات سابقة كان فيها الإنذار خاطئاً- وتم إطلاق الصواريخ الأميركية قبل اكتشاف الخطأ، فإننا نكون بذلك قد أطلقنا حرباً عالمية ثالثة، بحيث سيكون للروس التبرير ذاته لإطلاق ترسانتهم الصاروخية على أهداف أميركية، قبل أن تدمرها الرؤوس النووية الأميركية. والمشكلة أن الصواريخ الأميركية، كما الروسية تظل باستمرار في حالة تأهب قصوى مستعدة للانطلاق في غضون دقائق معدودة، ولأن الصوارخ تصل إلى الهدف في ثلاثين دقيقة يكون على رئيسي البلدين اتخاذ القرار بإطلاقها في ظرف لا يتجاوز 12 دقيقة بناء على تقديرات القادة العسكريين، ومع أن هذا السيناريو يبدو مستبعداً إلا أنه حاضر بقوة، وهو ما يفسر إجراء الرؤساء لتدريبات على اتخاذ قرار إطلاق الصواريخ النووية. ولنا في التاريخ سوابق خطيرة عندما اقتربت موسكو في 25 يناير 1995 من إطلاق صواريخها النووية إثر الإنذار الخاطئ الذي من أجله أُيقظ الرئيس الراحل بوريس يلتسين من مضجعه ليلاً لاتخاذ القرار. ولحسن الحظ تريث الرئيس قليلًا ليتبين لاحقاً أن الإنذار كان لصاروخ نرويجي استخدم لتجارب جوية لا علاقة لها بالتسلح، وهنا تبرز بوضوح خطورة تلك الصواريخ فلو أن الرئيس الأميركي قرر إطلاقها استباقاً لهجوم روسي محتمل لردت روسيا على الفور ولفقد أغلب الأميركيين حياتهم وإلى جانبهم معظم الجنس البشري. والسبب أن الدخان الذي سينبعث جراء إصابة الصواريخ النووية الأميركية لأهدافها الروسية سيؤدي إلى اختلالات كبرى في الطقس والمناخ العالمي، وستتعرض طبقة الأوزون التي تغلف الأرض لأضرار فادحة ستفضي في النهاية إلى مجاعة على المستوى العالمي تفني أغلب سكان الأرض، فسحابة الدخان الأسود التي ستتشكل بعد الضربة النووية سترتفع إلى الأعلى بفعل حرارة الأرض، مثل بالون يظل سابحاً في الأجواء، هذه السحابة، التي يقدر العلماء أنها ستظل فوق الأرض لعشر سنوات على الأقل، ستمنع أشعة الشمس الدافئة من الوصول إلى سطح الأرض ليدخل العالم في ظروف جوية قاسية تشبه الحقبة الجليدية، الأمر الذي سيؤثر بدوره على إمكانية الزراعة ونمو المحاصيل، والنتيجة اندلاع مجاعة عالمية تقضي على أغلب الجنس البشري. هذا بالإضافة إلى تأثيرات سلبية أخرى مثل الضرر الذي سيصيب غشاء الأوزون ما سيؤدي إلى انقراض بعض الكائنات، ويشبه العلماء هذه العملية بما تعرضت له الأرض قبل 65 مليون سنة عندما سقطت "الكويكبات" والأجسام السماوية على الأرض متسببة في انقراض الديناصورات و70 في المئة من الكائنات الحية، مع اختلاف واضح هذه المرة في أن سبب الهلاك لن يكون خارجياً قادماً من السماء، بل سيكون فعلاً بشرياً بسبب الصواريخ النووية التي صنعها الذكاء الإنساني بدعوى حمايته وضمان استمراره. الصواريخ النووية الأميركية لا تساهم في ضمان أمننا، لا سيما الصواريخ الأرضية الباليستية التي يمكن إطلاقها بموجب إنذار خاطئ، وأي مهتم بسلامة الكرة الأرضية والحياة البشرية عليه الاحتجاج على إجراء تلك التجارب والدعوة الصريحة إلى إزالة جميع الصواريخ الأرضية النووية كخطوة أولى للتخلص من الأسلحة النووية، فلو أن الولايات المتحدة تخلصت من تلك الصواريخ لبقي لديها 288 صاروخاً نووياً يُطلق من الغواصات الأكثر تأميناً للرد على أي هجوم نووي قد تتعرض له. لكنها على الأقل لن تُبقي أميركا الصواريخ الأرضية التي تظل أهدافاً تغري الروس بضربها استباقياً لأي هجوم محتمل. والأمر هنا لا يقتصر فقط على الترسانة النووية للولايات المتحدة وروسيا، بل يمتد أيضاً إلى الترسانة النووية الأصغر لدى الهند وباكستان التي يحذر العلماء أنه في حال استخدامها ضد بعضهما البعض، فإنها ستقود إلى سيناريو مشابه للصواريخ الأرضية بإحداث تغييرات مناخية كبرى تطلق مجاعة على نطاق واسع. ونحن نعتقد اليوم أن الوقت قد حان كي تكثف الشعوب والدول ضغطها على القادة السياسيين لتقليص الأسلحة النووية وإبعاد شبح الفناء عن الجنس البشري وضمان استمرار الحياة الإنسانية على كوكب الأرض. -------- ديفيد كريجر رئيس مؤسسة السلام في العصر النووي دانيال إيلسبورج محلل سابق بوزارة الدفاع الأميركية --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"