مُنح أوباما جائزة نوبل للسلام عام 2009 قبل أن يمضي عام على توليه منصبه رئيساً للولايات المتحدة، وقوبل قرار منحه الجائزة في ذلك الحين بانتقادات شديدة، واعتبر قراراً سياسياً في المقام الأول. وكان سبب انتقاد البعض شعورهم بأن القرار كان بمثابة نوع من الإهانة المسيسة الموجهة لبوش الذي شن حرباً على العراق رغم المعارضة الدولية الشديدة. وكانت الرسالة الضمنية التي تريد هيئة جائزة نوبل توصيلها من خلال منح الجائزة لأوباما هي أن الجائزة ستشجعه على أن يكون "رئيس سلام" خلافاً لسلفه. والمفارقة الكبيرة حالياً هي أن الشيء الذي يتباهى به أنصاره، بعد أن انطلقت حملته الانتخابية، هو سجله كرئيس في زمن الحرب. فنحن نرى الرئيس الأسبق كلينتون (ديمقراطياً)، وهو يظهر في إعلان تلفزيوني جديد يقول فيه إن اغتيال بن لادن منذ عام هو الذي رسخ مكانة أوباما كقائد حازم في زمن الحرب، وأن الرئيس كان لديه الإرادة في استخدام القوة من أجل تحقيق هدف مهم من أهداف الولايات المتحدة، عندما أعطى الأوامر بقتل بن لادن الذي كان مختبئاً في مجمع سكني بإحدى المدن الباكستانية. وتلك المهمة كانت على درجة كبيرة من الخطورة وكان يمكن أن تفشل، بدليل أن أحد كبار مستشاري أوباما الأمنيين توقع أن تكون نسبة نجاحها أقل من خمسين في المئة. ورغم ذلك، فقد أظهر أوباما قدراً كبيراً من الشجاعة والجسارة بسماحه بمضي العملية قدماً، وإصدار الأمر بالهجوم، وهو ما أوتي ثماره. لم تكن تلك مهمة أوباما الجسورة الوحيدة. فقد كان جسوراً كذلك في القرار الذي اتخذه مبكراً بالإبقاء على الوجود العسكري الأميركي (الموسع) في أفغانستان حتى عام 2014 . كان ذلك القرار ينطوي على مخاطرة سياسية كبيرة، خصوصاً أن الحرب كانت قد فقدت شعبيتها تماماً لدى القاعدة العريضة من مؤيدي أوباما، ولدى الرأي العام الأميركي بشكل عام. وقد وصل رفض الحرب لدرجة أن بعض الأعضاء الجمهوريين الرئيسيين الذين كانت إدارتهم السابقة هي التي أطلقت تلك الحرب في المقام الأول، أيدوا قرار الانسحاب من أفغانستان. وهناك شعور متزايد في الوقت الراهن بأن أميركا تخسر الحرب في ذلك البلد، وأن تأخير الانسحاب ليس له من معنى سوى تأجيل الاعتراف بالهزيمة. وخيار الانسحاب، بصرف النظر عن مدى سرعته، له مخاطره أيضاً. فمثلما كان الحال عليه بالنسبة لبن لادن، كان الخياران -سواء تنفيذ عملية الاغتيال أو عدم تنفيذها- لهما جوانبهما السلبية أيضاً. ومن بين قرارات أوباما التي لم تحظ سوى بقدر قليل من الاهتمام، وإن كانت -كما يذهب إلى ذلك كثيرون- ذات أهمية كبرى، قراره بشن هجمات بالطائرات التي تطير من دون طيار ضد "طالبان" والمقاتلين المؤيدين لها في أفغانستان وباكستان، وضد "القاعدة" في اليمن وفي الصومال. وهذه السياسة شأنها في ذلك شأن الغارة على مخبأ بن لادن، أدت إلى توتير العلاقات مع باكستان، كما جوبهت بقدر كبير من المعارضة. فضلاً عن ذلك فإن القرار الخاص باغتيال بعض المواطنين الأميركيين في الخارج، مثل العولقي، أدى إلى ضجة في الجناح اليساري لأوباما، وهو ما ينطبق أيضاً على الخسائر الفادحة التي كان يتعرض لها المدنيون الأبرياء في أفغانستان وباكستان بسبب تلك الغارات. ورغم ذلك فإن الهجمات التي تشنها تلك الطائرات أدت إلى قتل عدد يتزايد باستمرار من قيادي "القاعدة" ومساعديهم، ما أدى إلى شل حركة ذلك التنظيم كما يقول مسؤولو الإدارة الأميركية. ومع ذلك يمكن لأعضاء لجنة جائزة نوبل أن يلتمسوا العزاء في حقيقة أن رئيس السلام الذي منحوه جائزتهم لم يخطئ في جميع الأحوال في استخدام القوة. ففي حالة حرب ليبيا عام 2011 لم يرغب أوباما أن يكون قائد التحالف الذي شن الحرب ضد نظام القذافي، وفضل أن تتولى الولايات المتحدة "القيادة من الخلف". لكن المؤكد أنه من دون القوات الجوية الأميركية، ومن دون تقديم المساعدات اللوجستية والمعلومات الاستخباراتية الأميركية، ما كان يمكن للعمليات العسكرية التي نفذها التحالف ضد نظام القذافي أن تنجح. لقد أظهر أوباما حذراً لافتاً عندما قدم تلك المساعدات الحيوية للحرب في ليبيا، وترك القيادة السياسية في أيدي حلفائه في نفس الوقت. لكنه كان أكثر حذراً فيما يتعلق باستخدام القوة ضد الأسد، خصوصاً وأنه لم يكن هناك تفويض من مجلس الأمن باستخدام القوة. ليس هذا فحسب، بل إن أوباما أكد أيضاً أن الدبلوماسية والعقوبات يجب أن يكونا الخيارين المفضلين في إقناع إيران بتغيير سياستها النووية. ورغم أنه لم يستبعد الخيار العسكري، فإنه ليس في عجلة من أمره بشأن توجيه ضربة ضد إيران. أما فيما يتعلق بصنع السلام في الشرق الأوسط، فإن سجل أوباما ليس جيداً. ففي خطابه التاريخي في القاهرة تعهد ببذل قصارى جهده لإقناع إسرائيل بتجميد أنشطتها الاستيطانية، وبالمساعدة في اتخاذ الإجراءات الكفيلة باستئناف محادثات السلام بين عباس ونتنياهو. لكن الحكومة الإسرائيلية امتنعت عن التعاون، مدعية أنه من دون أن يتم التعامل مع التهديد الذي تشكله إيران بالنسبة لها أولاً، فإنها لا تستطيع اتخاذ المزيد من الخطوات التي قد تعرض أمنها للخطر! وأراد أوباما إعادة "ضبط العلاقات" مع روسيا، وحقق تقدماً مبدئياً من خلال توقيع اتفاقية التقليص الاستراتيجي للأسلحة. لكن مع إعادة انتخاب بوتين لمنصب الرئاسة مجدداً، فإن الدعم الذي أظهره الغرب للمعارضة الروسية قد يؤدي لنشوء توترات بينه وبين موسكو، خصوصاً مع القرار الذي اتخذه "الناتو" بنشر منظومات دفاع صاروخي قرب الحدود الروسية. لكن الأهم بالنسبة للولايات المتحدة هو علاقتها مع الصين، وسجل أوباما هنا يتراوح ما بين الجيد والسيئ، فخلال السنوات الثلاث الماضية لعبت الصين دوراً أكثر فعالية وحزماً في المناطق الواقعة في فنائها الخلفي، بل ذهبت إلى حد محاولة اجتذاب جيرانها الأصغر حجماً للاستجابة لرغباتها. وهذا هو السبب الذي دعا دول تلك المنطقة، من فيتنام وحتى اليابان، للترحيب بقرار أوباما بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في آسيا. ومع ذلك من المشكوك فيه أن تستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على استمرار ذلك التواجد العسكري في تلك المنطقة على المدى الطويل. لذلك يمكن القول إن أوباما ربما لا يزال يستحق جائرة نوبل للسلام، لو نجح في وضع واشنطن وبكين على مسار يؤدي للاستقرار، والسلام، وتجنب نشوء سباق تسلح باهظ التكلفة.