منذ صعود الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في أكثر من بلد عربي بعد ثورات "الربيع العربي"، شهدت مصر وتونس والمغرب والكويت والبحرين، حملة مدبرة من هذه الجماعات ضد الثقافة بشكل عام، والفن والفنانين بشكل خاص. ففي مصر حكمت إحدى المحاكم الابتدائية على الفنان المبدع عادل إمام بالسجن والغرامة، وفي الكويت تم منع احتفالات "هلا فبراير" ومنع إقامة الحفلات الفنية، وفرض نواب التزمت الديني في البحرين قيوداً على مهرجان الثقافة البحريني لأن وزيرة الثقافة البحرينية دعت فِرقاً موسيقية عالمية لإحياء حفلات الموسيقى الكلاسيكية في البحرين. هذه الردة المجتمعية تثير الخوف والقلق على مصير الحريات العامة والخاصة، وعلى مصير الفن والفنانين والثقافة بشكل عام، خصوصاً مع استمرار العمل بنظام الحسبة في مصر والكويت، والذي يسمح لأي إنسان برفع دعوى قضائية على أحد الكتاب والفنانين والمبدعين وجرجرته للمحاكم، فقط لأن الرأي الذي يطرحه لا يروق لذلك الشخص ويعتبره مسيئاً للإسلام. وقد تعرضت شخصياً لاستدعاء النيابة في الكويت لأن شخصاً رفع دعوى ضدي لأني أبديت وجهة نظري في تصريح صحفي ضد تطبيق الشريعة. والمصيبة أن ثورات "الربيع العربي" التي وعدت المواطن العربي بالحرية والكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان، نجدها اليوم بعد أن تم اختطافها من جماعات الإسلام السياسي، تسن قوانين جائرة وتعسفية ومخالفة للشرع أصلاً، فما هي الأسباب الرئيسية وراء كل هذا التشدد الديني ضد الفن والثقافة بشكل عام؟ هناك أسباب رئيسية أهمها أن هذه الجماعات تحاول قتل مفهوم الدولة المدنية الدستورية التي يحكمها القانون ولا تخضع لأهواء رجال الدين أو الغوغاء في الشارع. هذه الجماعات تحاول فرض وصايتها على المجتمع والدولة مدعية أنها جاءت لإنقاذ المجتمع من الرذيلة والانحطاط والاختلاط. هذه الجماعات بعد وصولها للسلطة التشريعية، تحاول استعراض قوتها بإرهاب الناس خصوصاً الفنانين المبدعين وكل من لديه رأي مستقل. وبما أن هذه الجماعات لا تستطيع إرهاب أحد بالسيف والخنجر، لجأت إلى سن القوانين الجائرة بالضغط على السلطة القضائية، خصوصاً وأن هنالك الكثير من المحامين والقضاة الذين يتعاطفون مع تيارات الإسلام السياسي. المشكلة التي تعانيها الشعوب العربية هي ضحالة الفكر العلمي وعدم الفهم الصحيح للإسلام ووسطيته واعتداله. لذلك تم استغلال الأغلبية من الشعب العربي المتدين فطرياً والادعاء بأن كل من يطالب بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان هو علماني مستغرب لا يريد الخير للأمة. جماعات الإسلام السياسي واهمة إذا اعتقدت أن فوزها بالانتخابات التشريعية يعني أنه بإمكانها التحكم بمصير الشعوب. قد تنجح هذه الجماعات في منع المشاهدين من رؤية أفلام ومسرحيات وأغاني معينة... لكن يستحيل التحكم في عقول أغلبية الشعب العربي المتطلع إلى الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، والرافض لأي استبداد أو حكم قمعي، سواء باسم الدين أو باسم التقاليد. إنه يريد مواكبة عصر الديمقراطية والحرية الذي يسود عالمنا المعاصر اليوم.