بعض المراقبين أكدوا على أهمية استيعاب رسائل بثها ما حدث من أزمة عابرة بين السعودية ومصر. وأكدوا كذلك على الاهتمام بتلك الرسائل كآلية لإدارة الخلافات العربية. والاهتمام يجب أن يتجاوز متابعة الأخبار التي أخذت الطابع الانفعالي -النسبة الأكبر فيها من وسائل الإعلام- وارتفعت وتيرتها مع بداية الحدث، حتى ظن الكثيرون هشاشة العلاقات الاستراتيجية السعودية المصرية. ويجب أن نرتقي بهذا الاهتمام إلى طريقة إنهاء، بما يخدم المصالح السياسية. فالمصالحة سدت الطريق على من كان ينتظر اشتعال الخلاف إلى أبعد من "سحابة صيف"، خاصة وأن هناك ملفات إقليمية ربما تخدم من كان يعتقد أن ما يسمى "الربيع العربي" سيخدم "أجندته" الإقليمية منذ 1979. هناك تسريبات إعلامية تؤكد أن الخبر الذي نقلته "وكالة أنباء فارس" في بداية الخلاف باعتبارها تصريحات لوزير الخارجية السعودي، والتي يقول فيها إن المصري المعتقل في السعودية بتهمة حيازة مواد مخدرة سيعود في تابوت. هذه التصريحات هي التي أشعلت الشارع المصري رغم أن السعودية كذبت الخبر. وبالتأكيد لا يمكن أن نحسن النية في تسريب الوكالة أو نعتبرها عملية غير مقصودة منها، لسببين: الأول راجع إلى فهمنا لدور إيران وأساليبها في توتير العلاقات العربية؛ وهذا لا يعني التفكير بأسلوب نظرية المؤامرة، وإنما هي قراءة للسلوك الإيراني الذي يستغل الخلافات العربية لمصلحته، والأدلة على ذلك كثيرة. أما السبب الثاني فهو إدراك الإيرانيين لما يمكن أن يسببه مثل هذا التسريب من ردة فعل لدى الرأي العام المصري. وأعتقد أن الرسالة الثانية هي كيفية التفكير في المصالح الوطنية للدول عندما تتحرك الدولة بأكملها، قيادة وشعباً، لاستدراك مصالحها السياسية ومصالح الشعوب قبل أن تتفاقم وتتسع دائرة الخلاف نتيجة البطء في التحرك للملمة الأزمة. فالتفاعل السلبي في خلاف كهذا يتصاعد بطريقة سريعة. هنا لابد أن يأتي على الذكر الخلاف الجزائري المصري بسبب كرة القدم، والذي وصل لدرجة أن بعضنا اعتقد أن الدولتين لو كانتا متجاورتين فإن إحداهما ستقوم باحتلال الأخرى. الحدث المصري السعودي يختلف لأسباب لها علاقة بالتركيبة السياسية الجديدة، بل أجده أكثر تعقيداً بتفاصيله الدقيقة لدى من يدير مصر حالياً، ولأسباب إقليمية لها علاقة بالتنافس على قيادة المنطقة. وطبيعي أن لكل أزمة سياسية ظروفها الخاصة، إلا أنه يمكن الاستفادة من دروس المصالحة الحالية. فالطريقة التي تعامل بها البلدان يمكن أن تكون دليل مشروع وطني لكل الدول في المحافظة على مصالحها. أقوى رسائل المصالحة، والتي لفتت انتباه المراقبين، تلك الحكمة السياسية، خاصة من قبل السعودية، فنحن في ظل الفوضى السياسية العربية نحتاج إلى "حكمة سياسية" أكثر من أي مهارات دبلوماسية أو سياسية، وتحديداً حكمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وطريقته في معالجة الأزمة، طبعاً مع الحاجة إلى لغة الخطاب من قبل العقلاء في كلا البلدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتفاعل الرأي العام، بمعنى أن التصالح بين المجتمعين المصري والسعودي سبق التصالح الرسمي، وهذا متغير جديد في العلاقات العربية. نخطئ التقدير إذا اعتقدنا أن الذي حصل من تصالح بين البلدين يندرج فقط تحت بند "العاطفة العربية"، الأمر كان أقرب لمسألة سياسية حقيقية. وربما هذا يعطينا دافعاً لأن نقيم علاقاتنا العربية وفق هذا المنظور وأن نستفيد من دروسه! محمد خلفان الصوافي sowafi@hotmail.com