الخبر الانتخابي المهم في الأسبوع الماضي بالنسبة للأميركيين العرب لم يأت من ويسكونسن أو مصر فقط. فمثل أهمية هذين السباقين كان الفوز المذهل الذي حققه عضو الكونجرس بيل باسكريل على عضو الكونجرس الآخر ستيف روثمان في الدائرة التاسعة الشمالية لنيوجيرسي. ولأن العملية الأخيرة لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية دمجت دائرتيهما القديمتين، فقد أُرغم هذان الديمقراطيان، اللذان مثلا دائرتين متجاورتين طيلة 16 عاماً، على التنافس أحدهما ضد الآخر في الدائرة التاسعة التي أُحدثت مؤخراً. وعلى رغم أن روثمان كان لديه خيار الترشح ضد مرشح جمهوري، في الجزء الآخر من دائرته القديمة، إلا أنه آثر التنافس ضد زميله الديمقراطي باسكريل. وطيلة الأشهر الستة الماضية عملت مجموعة من المدونين الإلكترونيين اليمينيين والموالين لإسرائيل ساعات إضافية للتعليق على هذا السباق، مستعملة في أحيان كثيرة لغة تتسم بالمبالغة والغلو والتعصب. فكان روثمان محل إشادة بفضل "تركيزه الدقيق على هزيمة أعداء إسرائيل"، و"سجل من القيادة الموالية لإسرائيل التي لا تضاهى"، ولكونه الرجل "الذي ينبغي الرجوع إليه" في ما يخص العلاقات الأميركية- الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، تم التنديد بباسكريل باعتباره "متعاطفاً مع الإسلاميين"، ومموناً لـ"مشاعر معاداة السامية"، و"أحد أشد المنتقدين لإسرائيل". والواقع أن سجلات تصويت الرجلين في الكونجرس بخصوص المواضيع التي تتعلق بإسرائيل متشابهة جداً، ذلك أنهما كانا يصوتان بشكل منتظم لصالح تقديم مساعدات لإسرائيل، وقد دعما توسيع التنسيق العسكري الأميركي- الإسرائيلي، أيضاً. غير أن ثمة اختلافات بدون شك. فنظراً إلى أنه كان عمدة لمدينة باترسون قبل أن ينتخب إلى الكونجرس، طور باسكريل علاقات قوية مع الجاليات العربية والمسلمة المحلية. ولما وصل إلى الكونجرس، كثيراً ما عمل على الدفاع عن الجالية ضد المعاملة غير العادلة والانحياز والتمييز. كما عارض عناصر مثيرة للجدل من قانون محاربة الإرهاب، وانتقد بشدة جلسات الاستماع المعادية للمسلمين التي دعا إليها عضو الكونجرس بيتر كينج، وعارض استعمال شرطة نيويورك الملامح الإثنية والدينية ضد العرب والمسلمين. وإضافة إلى ذلك، كان باسكريل أيضاً من أول المعارضين لحرب العراق، وبعث رسالة إلى الرئيس يعارض فيها حصار إسرائيل لغزة، ودعم عدداً من المبادرات الداعمة للسلام الإسرائيلي- الفلسطيني. وفي يناير الماضي، بدا روثمان وأنصاره واثقين من النصر، حيث قال أحدهم: "إن روثمان يبدأ (السباق) باعتباره الأوفر حظاً للفوز... وإنه سيحظى بدعم كبير من الجالية اليهودية". إلا أنهم وصفوا السباق بأنه "مصيري"، محذرين من أن الخسارة "يمكن أن تكون لها عواقب سلبية". غير أن ما أغفله أنصار روثمان هو الدعم القوي الذي يحظى به باسكريل في مدينته باترسون، التي تعد أكبر مدينة في الدائرة، وتضم واحدة من أكبر الجاليات الأميركية العربية في أميركا. فالشارع الرئيسي في باترسون يكتظ بالمتاجر المملوكة لعرب، ما يضفي على بعض المناطق نفحة شرق أوسطية مميزة. كما تضم المنطقة المحيطة نحو 30 ألفاً من الأميركيين العرب الذين ينحدرون من أصول فلسطينية ولبنانية ومصرية وسورية. وقبل ثلاثين عاماً، عندما كانوا أصغر عدداً وأقل تنظيماً وإلماماً بالسياسة، كان يتم تجاهلهم. ولكن ليس اليوم. فالدائرة لديها اليوم عمدتان من الأميركيين العرب، وخمسة أعضاء في مجلس المدينة، وجمعية متزايدة لمالكي المتاجر، وعدد من الكنائس والمساجد، ونشطاء سياسيون يعملون منذ سنوات على إشراك الجالية في السياسة. وفي بداية هذه الدورة الانتخابية، فهمت القيادة الأميركية العربية أن هذه الانتخابات ستشكل اختباراً لم يكونوا يبحثون عنه، ولكنهم لا يستطيعون تجاهله، فتغاضت أغلبية الجالية عن الاستفزازات، مؤثرةً العمل في صمت لحشد الدعم وتنظيم الصفوف من أجل الانتخابات. غير أن أحد النشطاء "ابتلع الطعم" الذي وضعه أنصار روثمان وأذكى النار التي كانت تشتعل في السباق، حيث كتب مقالًا قاسياً على نحو غير ضروري انتقد فيه "الدعم التام والأعمى (من قبل المرشح) لإسرائيل"، معتبراً أن "الولاء لعلم أجنبي ليس ولاءً لعلم أميركا". فانبرى فريق روثمان للرد عليه، كما لو أن ذلك الاستفزاز هو ما كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر. فطالبوا باسكريل بالتنديد بما سموه "هجمات معادية للسامية"، غاضين الطرف عن خطابهم المتطرف الذي أشاد بموقف مرشحهم المؤيد لإسرائيل واللغة المخزية والنارية التي يحرضون بها ضد باسكريل. غير أن معظم الأميركيين العرب، مثلما لاحظتُ، اختاروا طريقاً آخر؛ حيث عملوا بجد وتفان، وجمعوا التبرعات من أجل الحملة الانتخابية، وسجلوا ما يزيد عن 1000 ناخب جديد، وجمعوا لائحة من 10 آلاف ناخب تقريباً استعملوهم في الاتصال المباشر بالناخبين لحشد أصوات الجالية من أجل "صديق للعرب" في يوم الانتخابات. وعندما ظهرت النتائج، خرج بيل باسكريل منتصراً بأكثر من 60 في المئة من الأصوات. وكانت نسبة المشاركة في باترسون حاسمة، وجاءت النتائج في المناطق التي يسكنها عرب غنية عن كل تعليق: 134 لباسكريل مقابل 3 لروثمان، و222 مقابل 6، و195 مقابل 6، و290 مقابل 20. ولئن كانت هذه الانتخابات قد قدمت من قبل بعض الكتاب والمنظمات اليهودية باعتبارها "مواجهة بين العرب واليهود" وبأنها تتعلق "كلياً بإسرائيل"، فإنها لم تكن كذلك. بل تتعلق بتصويت مدينة باترسون على ابنها البار وبنضج الأميركيين العرب، الذين أظهروا أنهم لن يقبلوا بالهجمات التي تشهِّر بأصدقائهم وتحاول شيطنة الجالية وتهميشها.