البعض يقول إن العلاقة بين مشاكلنا مع سوريا وإيران واضحة وبسيطة: فنظام بشار الأسد السوري هو أقرب حلفاء إيران، وهو همزة الوصل التي تصلها بالشرق الأوسط العربي، حيث تشكل سوريا الجسر البري لنقل أسلحة ومقاتلين من إيران إلى لبنان وقطاع غزة. ومن دون سوريا، فإن طموحات إيران إلى الهيمنة الإقليمية، وقدرتها على تحدي إسرائيل، ستكبح وتشل. وبالتالي، ومثلما قال رئيس القيادة المركزية الأميركية في الشهادة التي أدلى بها أمام الكونجرس في مارس الماضي، فإن سقوط الأسد سيشكل "أكبر انتكاسة استراتيجية لإيران منذ 25 عاماً". والواقع أن تحقيق ذلك ليس واجباً إنسانياً فحسب، بعد مقتل أكثر من 10 آلاف مدني، ولكنه يمثل أيضاً مصلحة استراتيجية رئيسية لإسرائيل والولايات المتحدة. ولكن، لماذا تبدو إدارة أوباما وحكومة نتنياهو غير متحمستين - على أقل تقدير - لتدخل عسكري غير مباشر من أجل إسقاط الأسد؟ السبب يعزى جزئياً إلى القلق مما قد يعقب سقوط الديكتاتور. وفي حالة أوباما، فإن الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، وقوله إن "الحرب بدأت تنحسر" في الشرق الأوسط، يمثلان عاملاً كبيراً. غير أن الحسابات بشأن سوريا وإيران هي أيضاً أكثر تعقيداً مما تبدو عليه لأول وهلة. فالبلدان ليسا مرتبطين بتحالف فقط، ولكن أيضاً بحقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها حددا هدفاً عاجلًا ومختلفاً لكل واحد منهما. ففي سوريا، يتمثل الهدف في إزالة الأسد واستبداله بنظام ديمقراطي، وفي إيران، يكمن الهدف في منع تطويرها لسلاح نووي. غير أنه يبدو أن الخطوات التي قد تحقق نجاحاً في أحد هذين البلدين لا تعمل إلا على تعقيد الاستراتيجية الغربية في الآخر. ولنأخذ العمل العسكري – الذي يشكل مبعث قلق رئيسي لإسرائيل– كمثال. فدعاة التدخل في سوريا (ومن بينهم كاتب هذه السطور) يجادلون بأن على الولايات المتحدة وحلفائها مثل تركيا أن يشاركوا في إنشاء مناطق آمنة للمدنيين والقوات المعارضة للأسد بمحاذاة الحدود السورية، وهو ما سيتطلب غطاء جوياً وربما بعض الجنود (الأتراك). غير أنه إذا انخرطت الولايات المتحدة في عملية عسكرية في سوريا، فهل من الممكن حينئذ شن هجوم جوي على منشآت إيران النووية؟ ثم ماذا لو أن إسرائيل قامت بشن هجوم جوي في وقت مازالت فيه عملية سوريا متواصلة؟ الجواب البديهي هو أن النتيجة يمكن أن تكون فوضى عارمة لا يمكن السيطرة عليها. ولهذا السبب، فعندما سألتُ مسؤولاً إسرائيلياً رفيعاً حول تدخل غربي في سوريا، حصلت على هذا الجواب: "إننا نركز على إيران. وأي شيء يمكن أن يصرف التركيز عن إيران ليس جيداً". أوباما، بالطبع، يتوق إلى تفادي عمل عسكري في إيران على أي حال، غير أن استراتيجيته – عقد صفقة دبلوماسية لوقف البرنامج النووي – تضيق خياراته أيضاً في سوريا. ذلك أن صفقة مع طهران تحتاج إلى دعم روسيا، التي تشاء الصدف أنها هي التي ستستضيف الجولة المقبلة من المفاوضات. وبدورها، فإن روسيا تعارض إرغام الأسد(الزبون القديم) على التنحي عن السلطة بأي وسيلة. وإذا أراد أوباما دعم بوتين حول موضوع إيران، فربما سيضطر إلى التقيد بتدابير تحظى بموافقة بوتين حول سوريا. وهو ما يترك الإدارة الأميركية تحت رحمة موسكو: وضع يرجو فيه أوباما من بوتين دعم ديمقراطية سورية، أو يحذره بغضب من أن موسكو إنما تعبد بذلك الطريق لحرب طائفية مدمرة لا تبقي ولا تذر. أصل المشكلة هو أهداف أميركية مرتبكة ومتعارضة في الشرق الأوسط. فهل ترغب واشنطن في إسقاط النظامين الدكتاتوريين والمعاديين والمتحالفين تحالفاً وثيقاً – أم في عقد صفقات تعمل على احتواء التهديدات التي يطرحانها؟ الجواب هو لا هذا ولا ذاك، وكلاهما: فإدارة أوباما تقول إنها تسعى وراء تغيير النظام في سوريا، ولكنها في إيران حددت هدف التقارب مع الملالي مقابل السيطرة على الأسلحة النووية. أوباما يحاول حل المشكلة عبر تبني مقاربة دبلوماسية متعددة الأطراف لكلا البلدين. غير أنه إذا كان تغيير النظام في سوريا هو الهدف، فإن قرارات مجلس الأمن الدولي ومخططات بست نقاط من أمثال خطة كوفي عنان مصيرها الفشل، لأن تضافر عدد من الضغوط الاقتصادية والعسكرية فقط، من قبل المعارضة أو جهات خارجية، سيؤدي إلى انهيار النظام. والانهيار، بدوره، يستطيع إضعاف النظام الإيراني نفسه الذي يسعى أوباما إلى عقد صفقة معه. ولذلك، فلا غرو أن طهران سعت إلى إضافة سوريا إلى مواضيع النقاش في الجولة الأخيرة من المفاوضات - أو أن عنان يرغب في أن تُشمل إيران ضمن "مجموعة اتصال" جديدة من أجل رعاية تسوية في سوريا. إدارة أوباما رفضت كلا المقترحين – لأنهما يتعارضان مع تغيير النظام السوري. وقد تُسعد هذه الفوضى بوتين، لكن من غير المرجح أن تحقق أكثر من ذلك. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس