استجابات متوترة: هاجس الانتفاضة ومعضلة المهاجرين! المفتش العام الإسرائيلي ينتقد حكومة نتنياهو، واحتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، واحتدام الصراع في سوريا وسط غياب حلول فاعلة، ثم مسألة المهاجرين الأفارقة في إسرائيل... قضايا نعرض لها ضمن جولة سريعة في الصحافة الإسرائيلية. تقرير المفتش العام تناولت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها ليوم الخميس الماضي التقرير الذي أصدره المفتش العام الإسرائيلي، "ميتشا ليندرستروس"، بشأن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة الإسرائيلية مع سفينة أسطول الحرية التركية في مايو 2010، تلك الحادثة التي انتهت بمقتل تسعة أشخاص من طاقم السفينة وأسفرت عن تدهور كبير في العلاقات الإسرائيلية التركية وتشويه صورة الدولة العبرية لدى الرأي العام الدولي. التقرير خلص إلى أن الاستعدادات التي أُجريت لمواجهة المشكلة كانت قاصرة منذ البداية وتعزوها الدقة والكفاءة، وهو ما يفسر -حسب التقرير- النتيجة غير المرضية التي انتهى إليها تدخل القوات الإسرائيلية في عرض البحر وسقوط العديد من الأرواح في العملية العسكرية. والأكثر من ذلك، تركز الصحيفة على الجزء الذي حمّل فيه المفتش العام المسؤولية لرئيس الحكومة نتنياهو، ووزير دفاعه إيهود باراك، لعجزهما عن بلورة سياسة واضحة للتعامل مع الحادثة، لاسيما وأن قرار التدخل اتخذ دون انخراط هيئة الأمن القومي التي يفرض القانون إشراكها في القرارات الأمنية الكبرى، فقد سعى نتنياهو، طبقاً للصحيفة، إلى إثبات قدراته الأمنية باتخاذ قرارات متسرعة كلفت إسرائيل غالياً على الصعيد الدولي. والأدهى من ذلك -تقول الصحيفة- إن ردة فعل نتيناهو على تقرير المفتش العام جاءت باهتة في أحسن الحالات، معتبراً أن الحالة الأمنية المستقرة في إسرائيل تشفع له عن الأخطاء المرتكبة، وأن نجاحه في حماية إسرائيل يدفع عنه أي مسؤولية. لكن الصحيفة ترى أن نتائج التقرير يتعين التعامل معها بجدية أكبر وأن ما حمله التقرير من أخطاء هو بمثابة البطاقة الصفراء لنتنياهو حتى لا يُوقع إسرائيل في ورطات أكبر. انتفاضة جديدة في مقالها المنشور على صفحات "هآرتس"، يوم الأربعاء الماضي، تطرقت الكاتبة والمعلقة الإسرائيلية "أميرا هاس"، إلى الاجتماع الذي أجراه بعض الخبراء الإسرائيليين في الشرق الأوسط مع رئيس الوزراء نتنياهو، لتحذيره من سياسات حكومته المتمادية في استعدائها للفلسطينيين. وكانت القشة التي عجلت بهذا الاجتماع ما نقلته "هآرتس" يوم الأحد الماضي من استهداف مسجد داخل إسرائيل، لذا قرر هؤلاء الخبراء وضع تحذيراتهم أمام رئيس الحكومة لأسباب أجملتها الكاتبة في ما يلي: أولاً افترض الخبراء أن آخر ما تريده الحكومة الإسرائيلية في هذا الوقت هو إطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة تهز الاستقرار المصطنع للدولة العبرية. وثانياً لاعتبارهم نتنياهو العنوان المناسب لإيصال تحذيراتهم، ليس فقط لأنه رئيس للحكومة، بل أيضاً لأنه من جبهة اليمين. وثالثاً لأن أكثر ما يؤذي الفلسطينيين ويدفعهم للتحرك هو استهداف أماكنهم المقدسة ودور العبادة. ويضاف إلى ذلك أن رغبة الخبراء الإسرائيليين في نقل تخوفهم إلى الحكومة جاءت بعد إعلان نتنياهو مؤخراً عن بناء 850 وحدة استيطانية في الضفة الغربية تعويضاً عن قراره بإزالة مستوطنة "بيت إيلز أولبانا" في الأراضي الفلسطينية. لكن، وإلى جانب هذه الأسباب المباشرة التي دعت الخبراء الإسرائيليين إلى التحرك الاستباقي، تذكر الصحيفة أسباباً مزمنةً ومستمرةً تدعو الفلسطينيين إلى الانتفاض، فنحن -كما تقول الكاتبة- على أبواب فصل الصيف الحار الذي يُحرم فيه الفلسطينيون، خصوصاً سكان غزة، من المياه الصالحة للشرب التي تسيطر عليها إسرائيل وتحولها إلى اليهود. هذا بالإضافة إلى تداعيات الاحتلال الأخرى، مثل استهداف المستوطنين لأراضي الفلسطينيين بالحرق والتخريب وبناء الحواجز والجدران التي تجعل من شعار إسرائيل الدولة الديمقراطية مجرد كلام لا أساس له. غير أن المشكلة الأكبر هي في رغبة اليمين المتطرف الذي ينحاز إليه نتنياهو، في تأييد هذا الوضع والتحريض على انتفاضة ثالثة، ليس لأنهم يرغبون في رؤية الفلسطينيين ينتفضون على الظلم والاحتلال، بل فقط لأن الانتفاضة في نظرهم فرصة ثمينة لتكريس الاحتلال، وربما الإقدام على خطوات متطرفة، مثل تهجير الفلسطينيين إلى الأردن وسط انشغال شعوب المنطقة بمشاكلها الداخلية. المعضلة السورية انتقدت صحيفة "جيروزاليم بوست" في افتتاحيتها خلال الأسبوع الماضي الاستجابة الدولية البطيئة تجاه الأزمة السورية، مشيرة إلى تفاقم العنف وارتكاب المجازر التي لا تفرق بين الأطفال والنساء، سواء في الحولة التي سقط فيها أكثر من مئة شخص أو مؤخراً في قرية القبير بالقرب من حمص التي قال عنها المراقبون الدوليون إن رائحه اللحم الآدمي المحروق أزكمت أنوفهم لدى دخولها. لكن، وبعيداً عن توصيف الحالة السورية التي باتت معروفة للجميع في ظل التحذيرات المتصاعدة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بانزلاق سوريا إلى الحرب الأهلية، يبقى التساؤل هو: ما الحل للخروج من الأزمة وإيقاف نزيف الدم المراق؟ الصحيفة لا تقترح حلاً واضحاً، بل تعترف بصعوبة وتعقيد الوضع السوري للأبعاد الإقليمية والدولية المتداخلة من جهة، ولطبيعة التنوع السوري من جهة أخرى، فقد صار واضحاً الدعم الروسي والإيراني للنظام الخائف على مصالحه، فيما الصراع بدأ يكتسي طابعاً طائفياً يهدد عموم المنطقة. كما أن المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، لم يعد قادراً على الانخراط في حروب طويلة، مثل حربي العراق وأفغانستان، بالنظر إلى القدرات العسكرية السورية وتعقيد الوضع الداخلي، ليبقى الحل -في نظر الصحيفة- تضييق الخناق على النظام من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية واستهداف الصناعات الحساسة، مثل قطاع تصدير النفط الذي يدر مداخيل مهمة على النظام، وذلك على أمل أن تحصل متغيرات داخلية ترجح كفة المنتفضين على النظام وتعجل بسقوطه دون تدخل خارجي. طرد المهاجرين يناقش الصحفي والمعلق الإسرائيلي "إينات فيشبين"، في مقاله المنشور على صفحات "يديعوت أحرنوت"، يوم الأربعاء الماضي، مشكلة المهاجرين الأفارقة الذين يتسللون إلى إسرائيل والطريقة التي تتعامل بها بعض الأطراف داخل المجتمع، بالإضافة إلى سياسات الدولة العبرية في هذا المجال. فقد شهدت إسرائيل خلال الشهور الأخيرة موجة من الهجمات التي استهدفت المهاجرين الأفارقة في بعض الأحياء الفقيرة بتل أبيب وطالبت بعض وجوه اليمين بطردهم إلى السودان وإرجاعهم من حيث أتوا. والحقيقة، يجادل الكاتب، أن الاستجابة المتوترة للسلطات الإسرائيلية تجاه المهاجرين تدل على ارتباك واضح سيطر على المجتمع الإسرائيلي، رغم أن عدد هؤلاء المهاجرين ليس كبيراً ولا يشكل أدنى خطر على الوضع الديموغرافي في إسرائيل. ويضيف الكاتب أن الوضع ليس حكراً على الدولة العبرية، بل تشهد دول العالم المتقدمة أعداداً متزايدة من المهاجرين تضعها التقديرات الأممية في حوالي 45 مليون مهاجر موزعين حول العالم، لذا يرى الكاتب أنه ما من سبب حقيقي يدعو إسرائيل إلى الارتباك والتعامل مع المهاجرين خارج القانون. كما يعيب الكاتب على إسرائيل افتقارها لسياسة واضحة في مجال الهجرة على غرار ما هو موجود في الدولة الغربية التي تتعامل مع المهاجرين وفقاً لمعايير ولوائح توازن بين سياسات الدولة من جهة والاعتبارات الإنسانية من جهة الأخرى، فيما يميل الوضع في إسرائيل إلى تغليب مخاوف المجتمع، حتى لو كانت غير مبررة، على حساب الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية. زهير الكساب