تعدّ السياسة المالية لدولة الإمارات واحدة من أكثر السياسات المالية العالمية تميزاً ونجاحاً في المرحلة الراهنة، حيث تتميز هذه السياسة بالمرونة العالية والتفاعل السريع مع المستجدات، وكانت هذه المرونة هي مفتاح خروج الاقتصاد الوطني من "الأزمة المالية العالمية"، حيث إنها اتبعت نهجاً توسعياً في مواجهة تلك الأزمة وما نتج عنها من تداعيات، فواصلت الحكومة الإنفاق بسخاء على المشروعات الكبرى من بنى تحتيّة ومرافق عامة وشبكات طرق وجسور وإنشاءات، وهو ما ساعد على ضخ كميات كبيرة من السيولة في شرايين الاقتصاد الوطني، عبر تلك القطاعات التي استمرت في تشغيل الأيدي العاملة بمعدلات مرتفعة، وولدت المزيد من الدخول ومن قوى الطلب على منتجات الصناعات المرتبطة بها، التي تصل إلى نحو 90 صناعة، بما أدى إلى تحريك عجلة النمو في تلك الصناعات بدورها، فكان النمو الاقتصادي الإيجابي والخروج السريع من المراحل الأسوأ من "الأزمة المالية العالمية" هو النجاح الذي ناله الاقتصاد الوطني الإماراتي. وتعد إمارة أبوظبي هي المثال الأكثر وضوحاً داخل دولة الإمارات في تطبيق هذا النهج، فرغم الضغوط التي ولّدتها "الأزمة المالية العالمية" على أحجام الأنشطة الاقتصادية والصناعات والطلب العالمي على الصادرات والمنتجات، بخلاف ضعف الثقة في الآفاق الاقتصادية المستقبلية، سواء على المستوى العالمي كله، أو على المستوى المحلي للدول والبلدان، فلم تستطِع هذه الضغوط أن تثني حكومة الإمارة عن الاستمرار في تنفيذ المشروعات الكبرى التي كان مخططاً لها في سنوات ما قبل الأزمة، وما زال هذا التوجه مستقراً في ذهن حكومة الإمارة حتى الآن، حيث أظهرت البيانات الصادرة عن "صندوق النقد الدولي" أن إجمالي النفقات التنموية التي نفذتها إمارة أبوظبي خلال عام 2011 قد ارتفع بنحو 15.2 في المئة مقارنة بالعام الذي سبقه، كدليل قاطع على أن الإمارة ما زالت بالفعل تتبع النهج التوسعي نفسه في الإنفاق على المشروعات الكبرى. وعلى ما يبدو، فإن هذا النهج المالي التوسعي لإمارة أبوظبي سيظل على حاله خلال الفترات المقبلة، ليمثل مطمحاً وخطة مستقبلية بالنسبة إليها، فمن المرجح أن ينمو إنفاقها على المشروعات الكبرى، خلال العام الجاري، بنسبة تصل إلى 5 في المئة، وأن يستمر في النمو ليرتفع بنحو 5.3 في المئة خلال العام المقبل، لتصل قيمته إلى نحو 30.2 مليار درهم في نهاية عام 2013. وهذا الإنفاق الحكومي السخي سيظل، وفقاً لهذه المعطيات، بمنزلة القوة المحركة الأساسية للنمو الاقتصادي، والضامن الرئيس لاستدامة هذا النمو خلال السنوات المقبلة، حتى يضمن خروج الاقتصاد المحلي بسلام، ويتعافى بشكل تام من آثار "الأزمة المالية العالمية"، لينطلق في ما بعد على طريق النمو والازدهار، من دون أن يتعرّض لأي انتكاسات، كونه سيكون محصناً بذاته ضد التحديات والضغوط التي تترتب على استمرار الوضع الاقتصادي العالمي الهش، ويتمكن من محاصرة الضغوط التي تتولد عن الوضع المالي المتأزم في "منطقة اليورو". وإن كانت السياسة المالية لإمارة أبوظبي على هذا النحو تمثل ضمانة لاقتصادها المحلي لتجنب الأزمات الآنية، فإنها تؤصل لنهج يمكن استخدامه في المستقبل في مواجهة أي أزمات مستجدة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، ولعل حالة المرونة التي تتمتع بها السياسة المالية للإمارة هي التي تعطيها ذلك القدر الكبير من حرية الحركة بالاتساع أو الانحسار، وفقاً لمستجدات المرحلة، ووفقاً لطبيعة التحدي الذي تواجهه، بما يضمن للاقتصاد المحلي أفضل مستوى من الاستقرار في الأداء. ــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.