ثمة إجماع على أن الفساد هو أحد علل الدولة العربية، وأنه طالما بقي يبسط نفوذه فستبقى محاولات الإصلاح محدودة وغير فعّالة. ولعل محاكمات بلاد "الربيع العربي" تحكي لنا ضخامة ظاهرة الفساد وعمق ركائزها. ورغم شبكات الفساد وقوتها، نجد وعياً شعبياً متنامياً تصعب السيطرة عليه، وهو نمو بمثابة قوة اجتماعية تجد نفسها مجبرة على محاربة نفوذ الفساد. وهذا يؤكد أهمية دور السلطة في محاربة الفساد ومحاولاتها النأي عنه. لكن بعض الحكومات العربية متورطة بشكل أو بآخر في هذه الظاهرة وفي تحولها إلى سلوك اجتماعي بأشكال مختلفة. وفي المقابل فإن تنامي الوعي الشعبي، يعد نتاجاً للتشوهات التي مرت بها الدولة العربية. والمعركة الحالية في كثير من البلاد العربية، تتمحور في جانب منها حول قضية الفساد، والذي يتجاوز جانبه المالي إلى جوانب كثيرة تمس المجتمع بشرائحه ومكوناته المختلفة، وهذا ما يبرز تعقيدات الوضع العربي، وفي الوقت نفسه يمثل محكاً لقدرة "الربيع العربي" على تحقيق مكاسب تصب في ميزان العدالة الاجتماعية. ومن المهم أن ندرك أن الديمقراطية وحدها لن تصلح الحال، إذ قد يتواجد الفساد في ظل المؤسسات الديمقراطية حين تتحول إلى إطار لرعاية الفساد والحفاظ على بقائه. وفي المثال الكويتي، نجد أن السلطة التشريعية تحولت إلى شريك في شبكات الفساد عندما وُجهت التهم لبعض أعضاء "مجلس الأمة" بقبض أموال كبيرة مقابل شراء الصمت أو التصويت لصالح السلطة التنفيذية. لذلك فقد يستمر الفساد في ظل الديمقراطيات ما لم تتحول مكافحته إلى وعي اجتماعي شعبي واسع وفعّال. لكن في كثير من المجتمعات العربية نجد أن الفساد خرج عن نطاقه وتحول إلى غول ينهش في المجتمع، دون مبالاة بعواقب ذلك السلوك الذي يهدد ركائز الدولة والمجتمع. لذلك، يشكل الإصلاح ضرورة لضمان بقاء أنظمة الحكم. وهنا يبدو لنا دور مرونة الفهم للحكم ومدى استيعابه لضرورة الإصلاح . ففي بعض البلاد العربية لم يستطع الحكم فهم المتغيرات، سواء المحلية أو العالمية، كما ركز معظم أولوياته حول المحور الأمني. لذلك نجد البعض، في أوقات الأزمات يسارعون إلى المواجهة الأمنية، لاعتقادهم أنها تحل كل المشكلات، بينما التفكير المنطقي يقول حقائق أخرى. فالثورتان التونسية والمصرية، أفرزتا حقائق جديدة؛ أهمها أن المواجهة الأمنية لن تثني الناس عن الخروج للشارع، وهذا ما يؤكده المشهد السوري أيضاً. ورغم التحولات العربية الجارية، فثمة مراهنة على الأمن لمواجهة بعض المطالب السياسية. وهذا ما يفسر استمرار العنف في سوريا مثلاً. وعودة للتحول في تونس ومصر نجد أن نجاح أي تجربة ديمقراطية حقيقية، يعتبر إطاحةً بشكل من أشكال الاستبداد العربي. وهذا ما يفسر التكالب على إجهاض التحول الديمقراطي في مصر!