ذبح الأطفال، واغتصاب النساء، وأعمال الخطف، وممارسات "الشبيحة"، وارتكاب القتل والتعذيب، واستمرار القصف على المدن والقرى، وتدمير المنازل، وحرق المزارع، وتهجير السكان، واقتراف المذابح المروعة... كلها فظائع يرتكبها النظام السوري، مُحوِّلا حالَ سوريا إلى مأساة. لذلك فثمة مشهد في غاية القسوة والعنف، ونظام لا يعرف من سياسات الحكم والسلطة إلا القتل والتدمير، ليدفع الدولة السورية نحو حرب أهلية. تلك ليست مخاوف افتراضية بل حقيقة قائمة، كما أكد رئيس عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة، عندما قال إن ما يجري في سوريا حالياً هو حرب أهلية، وهو ما ذهب إليه أمين عام الجامعة العربية حين أوضح أن العمليات العسكرية للنظام السوري لا تنتج غير العنف. وقد حملت الأشهر التي سبقت الانتفاضة الحالية في سوريا، كميةً ضخمةً من الاحتقان الداخلي، والعديد من المؤشرات على قرب اندلاع الثورة، خاصة بعد أن تفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وزادت منها المعالجات الأمنية الفجة. لذلك فالثورة على النظام إنما اندلعت بفعل عوامل موضوعية عانى منها المواطن السوري بعد أن تخطى نظام "البعث" نقطة اللاعودة، أي منذ أن جعل السلاح خياره الأساسي في معالجة الإشكالات الداخلية، ليدفع البلاد نحو النفق المظلم والمنعطف الخطير الذي تعيشه اليوم. إن الاتجاه نحو الحرب الأهلية يعكس انفجار أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية حادة، نتيجة تراكمات كبيرة كانت كامنة داخل المجتمع السوري. وفي الحالة السورية فإن قائمة عمليات القتل والتعذيب والتفجير التي ارتكبها نظام "البعث" تطول إلى حد غير معقول، حيث تذكر المصادر أنه خلال سنة وخمسة أشهر سقط ستة عشر ألف قتيل، وعدد كبير من الجرحى والمفقودين واللاجئين والمهجرين... هذا علاوة على آلاف المعتقلين. والمتوقع أن يزداد القتل وسفك الدماء إذا ظل الحال على ما هو عليه، مما يعني بروز الحالة الطائفية القائمة وتفاقمها أكثر فأكثر. ودولياً، نجد أن ثمة موقفاً روسياً مؤيداً للنظام السوري بكل ممارساته، وكما جاء في مقال للباحثة في شؤون الشرق الأوسط "فيرونيكا كراشينينيكوفا"، فإن "سقوط النظام السوري يعني فقدان روسيا حليفها القوي والوحيد في العالم العربي، وهذا بدوره يعني أن روسيا ستخسر منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن النفوذ الأميركي في المنطقة سينتشر بلا حسيب ولا رقيب، وسيكون من الصعب على إيران أن تستمر في صمودها أمام الضغوط الغربية... ولهذا فسقوط النظام السوري يعني في نظر روسيا، أن جبهة المواجهة مع الغرب سوف تقترب من الحدود الروسية في منطقة القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى". وينطلق موقف واشنطن من الحسابات والمصالح الاستراتيجية الخاصة بأجندتها في المنطقة، لاسيما بعد أن قدمت سوريا تسهيلات مهمة لروسيا في ميناء طرطوس العسكري المطل على ساحل الأبيض المتوسط، وإقامة خطين للغاز يمران من العراق وإيران ويصلان إلى آسيا الوسطى. إن ما يجري في سوريا اليوم هو حرب باردة بين أميركا ووسيا، واستمرار الموقف الروسي المؤيد لممارسات النظام السوري ضد شعبه، هو جزء من هذه الحرب، وهذا أيضاً ما يؤكد سبب فشل خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية في حل الأزمة وإنقاذ الشعب السوري من القتل، وهو ما يجعل الرصيد الأخلاقي والمعنوي للمجتمع الدولي في خطر.