لا تخفى على أحد المشاكل المزمنة التي تعاني منها بلدان أميركا الوسطى، فهي متعددة إلى درجة يصعب حصرها بين انتشار المخدرات وعصابات التهريب إلى العنف والفقر وعدم الاستقرار السياسي، ثم نتائج الكوارث الطبيعية وتداعيات الهجرة، كل ذلك معروف لدى المراقب الحصيف جنوب القارة الأميركية، لكن مع ذلك وحسب مؤشر السعادة العالمي، الذي هو عبارة عن محاولة تعتمد على الكثير من المعادلات الرياضية المعقدة لقياس درجة سعادة البشر على كوكب الأرض، تبقى تلك البلدان الأكثر سعادة على الإطلاق، وذلك وقفاً لتقديرات المؤشر التي فاجأت العديد من المراقبين حول العالم. ويبدو أنه في دول أميركا الوسطى لا أحد تخاصمه السعادة حتى أفراد العصابات يقومون بعملهم وسط جو من السعادة الغامرة. فمن بين الدول السبع التي اسُتطلعت فيها الآراء وخضعت لدراسة المؤشر احتلت ست منها المراتب العشر الأولى في مؤشر السعادة العالمي، متفوقة على العديد من البلدان الأوروبية وأميركا الشمالية... وهكذا تصدرت المركز الأول كوستاريكا التي احتلت الرقم واحد في قائمة دول أميركا اللاتينية، فيما جاءت جواتيمالا في المرتبة العاشرة، وربما فاجأ ذلك سكان البلاد الذين توقعوا أن تتفوق بلادهم على باقي المنافسين في مؤشر السعادة. أما البلدان الأخرى فكانت "بيليز"، البلد المغمور الواقع في الشريط الساحلي المطل على المحيط الأطلسي بأميركا الوسطى، الذي احتل المرتبة الرابعة في تصنيف السعادة العالمي، فيما جاءت السلفادور في المرتبة الخامسة، ربما بسبب هدنة المئة يوم التي وقعتها عصابات المخدرات! وفي المرتبة السابعة جاءت بنما، التي ربما لم يُستطلع سكانها خلال ساعة الذروة في العاصمة بنما، ثم احتلت نيكاراجوا المرتبة السابعة بعدما وصلت نسبة شعبية الرئيس دانيال أورتيجا إلى 80 في المئة في بلد تصل فيه صحة الإحصاءات الرسمية ودقتها إلى 113 في المئة حسب التقديرات الحكومية. أما هندوراس، التي يبدو أنها الأقل سعادة بين دول أميركا الوسطى، فقد احتلت المرتبة 13 في قائمة السعادة التي تضم أكثر من 151 بلداً، هذا في الوقت الذي تبوأت فيه الولايات المتحدة بمشاكلها المتعددة وبمزاجها السيئ المرتبة 105 ضمن التصنيف العالمي. ولمَن يعتقد أن تصنيف الدول حسب درجة سعادتها يعتمد على الحدس والتخمين يجب أن يعرف أن القائمين عليه يدخلون العديد من الأرقام والمتغيرات الرياضية لحساب المؤشر، وأن الأمر بالغ التعقيد لما ينطوي عليه من معادلات رياضية تستند ضمن أشياء أخرى على معدل الحياة في البلدان المعنية، بالإضافة إلى الصحة العامة، هذا فضلًا عن التأثير البيئي للتنمية وغيرها من العوامل التي في النهاية تحدد لنا درجة السعادة التي تتمتع بها شعوب الأرض. وكما توضح ذلك "مؤسسة الاقتصاد الجديد" البريطانية التي تشرف على تصنيف سعادة الدول "يعتمد المؤشر على الكثير من المتغيرات مثل أمد الحياة وجودتها على أن يقارن ذلك أيضاً بالحالة البيئية العامة للبلد"، لكن وبصرف النظر عن هذه المعادلات المعقدة التي تثير من السخرية أكثر مما تثير من الاهتمام الرصين تبقى بالفعل شعوب أميركا الوسطى أكثر ميلاً للحياة السعيدة رغم الظروف الصعبة. وكما أظهر ذلك الركود الاقتصادي للعام 2008 تظل العديد من المشاكل المنتشرة حول العالم نسبية تختلف من بلد إلى آخر. هذا الأمر أوضحه لي "تيرسو فيلشير"، سائق التاكسي في نيكاراجوا في تفسيره لسبب سعادة مواطنيه رغم مشاكلهم المتعددة قائلًا "عندما تخبر شخصاً تعود على أكل وجبة واحدة في اليوم، إنه لن يجد الوجبة التالية، فذلك ليس مشكلة كبرى بالنسبة له، لأنه فقط الأشخاص الذي اعتادوا على ثلاث وجبات في اليوم يقلقون عندما تقول لهم إنهم لن يجدوا الوجبة التالية". واليوم مع النمو الاقتصادي الذي تشهده أغلب بلدان أميركا الوسطى هناك أسباب إضافية تدفع شعوبها لاعتناق السعادة مقارنة بالعقود السابقة التي شهدت فيها القارة أزمات اقتصادية متتالية، لكن المفارقة أنه حتى بتحسن الظروف الحياتية للعديد من مواطني بلدان أميركا الوسطى تبقى التأثيرات البيئية للمشاريع الاقتصادية مكلفة للغاية، وهو ما يخل بأحد العوامل التي يُعتمد عليها في تصنيف الدول في مؤشر السعادة، وعلى سبيل المثال تقوم نيكاراجوا حالياً بشق قناة مائية عملاقة تخترق أراضيها بكلفة 30 مليار دولار، وهو المبلغ الذي ستضطر للاقتراض من أجل تأمينه، أما كوستاريكا فهي منكبة على شق طريق سريع على طول الحدود مع نيكاراجوا دون أدنى اعتبار للتداعيات الكارثية على النظام البيئي، لذا يبدو أن أسعد بلدان العالم كما جاء في مؤشر السعادة هي نفسها الأكثر انخراطاً في تلويث البيئة والإضرار بها من خلال مشاريعها العملاقة التي تسعى بواسطتها إلى تحقيق معدلات نمو أكبر وتحسين ظروف حياة مواطنيها. ومهما كانت العوامل التي يأخذها مؤشر السعادة في عين الاعتبار وتركيزه على جودة الحياة والتأثيرات البيئية، يبقى الاختلال قائماً في العديد من الأحيان، كما في حالة دول أميركا الوسطى، بين متطلبات النمو الاقتصادي وانتشال قطاعات مجتمعية واسعة من الفقر، وبين التنمية المستدامة التي تضع قضايا البيئة في صلب انشغالاتها. -------- تيم روجرز-نيكاراجوا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريسيتان ساينس مونيتور"