يعتبر "رالف نادر" من دون أدنى شك واحداً من الشخصيات الرائدة في مجال التغيير في التاريخ الأميركي المعاصر. ويمكن القول إننا نشرب ماء أكثر نظافة ونتنفس هواء أكثر نقاءً ونقود سارات أكثر أماناً ونحظى بحماية أكبر في العمل وأثناء اللعب بفضل الحركة التي قادها. ورالف الذي لا يتوقف عن الإبداع دخل في تحدٍّ جديد هو: إعادة فتح الموضوعات التي كانت تصنف في السابق بأنها موضوعات "ممنوع النظر فيها" من قبل وسائل إعلام التيار الرئيسي، والهيئات التشريعية أو السياسية والمسؤولين المنتخبين. وتحدي رالف الجديد الذي اختار له اسم "مناقشة التابوهات" يقوم على إجراء مناقشات متلفزة تنقل هذه الملفات المغلقة والخلافية إلى المجال العمومي. وفي الأسبوع الماضي شاركت في إحدى تلك المناقشات وكانت بعنوان: "هل هناك معايير مزدوجة فيما يتعلق بالاستجابة لمشاعر العداء للسامية الموجهة ضد الأميركيين من أصل عربي، مقارنة بالاستجابة للعداء للسامية بالنسبة للأميركيين اليهود؟". لكن بعض الشخصيات التي دعيت للمشاركة في تلك المناقشة امتنعت عن الحضور، وإن كان الجميع قد أقروا بأن "مناوأة كل ما هو عربي" وظاهرة الإسلاموفوبيا تمثلان مشكلة فعلية. ومع ذلك، أصروا على التهوين من شأن الطريقة التي قام بها نادر بصياغة الموضوع ووصفوها بأنها "تنم عن سوء إدراك واسع" وأنها "مضللة" وتكشف عن "ميول وانحيازات مسبقة"! وفي الواقع أن رالف على حق، لأنه قد ثبت تاريخياً أن الكراهية التي ألهمت التعصب الموجه ضد العرب والمسلمين من جهة، واليهود من جهة أخرى قد نبعت من نفس النبع تقريباً. كانت تلك ظاهرة غربية بامتياز، حيث انفلتت مثل تلك التحيزات بأقصى قوة مع ظهور نظام الدولة- الأمة الحديث في أوروبا، وكانت موجهة تحديداً ضد شعبين ساميين أحدهما شعب وجده الغرب يعيش وسطة وصنفه بأنه يشكل تهديداً داخلياً، وشعب آخر واجهه الغرب باعتباره تحدياً خارجياً، ولكنه صنفه أيضاً على أنه يمثل تهديداً كذلك. ونتج عن ذلك أن الشعبين قد واجها تاريخاً من الهجوم والقدح، والسب، ونزع الصفة الإنسانية، كما عانيا من حملات منظمة ومنهجية من العنف الشديد. فاليهود تم عزلهم، وتعذيبهم واستهدافهم، وتعريضهم لمذابح جماعية متكررة قادت في نهاية المطاف إلى جحيم "الهولوكوست". أما حملات نزع الصفة الإنسانية عن العرب فقد استخدمت من منظور آخر لتبرير الغزو الإمبريالي، واستعمار الأراضي العربية، وحملات استئصال هوية الشعوب -وخصوصاً في بلاد المغرب العربي- كما بررت سياسات التمزيق والتشتيت في بلاد الشام. ويمكن القول إن المعاملة التي تعرض لها الشعبان تكاد تكون متماثلة، كما بينت في برنامج قمت بإعداده منذ ثلاثة عقود عن صورة العرب واليهود في الكرتون السياسي، وغيره من أنواع الثقافة الشعبية -في روسيا القيصرية وألمانيا ما قبل النازية بالنسبة لليهود، وفي أميركا في السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي. وكانت تلك الحملات تصور اليهود في صورة نمطية هي صورة المصرفي أو التاجر الجشع قبيح الشكل، وتصور العربي في صور نمطية أخرى سلبية. كما أن صورة اليهودي الفوضوي، الشيوعي والمخرب، قابلتها من الناحية الأخرى صورة الإرهابي الإسلامي، ولم تختلف تينك الشخصيتين سوى في الزي الذي يرتديه كل منهما. والشعبان كان ينظر إليهما على أنهما جموع من الغرباء والأعداء. واتهم أفرادهما بأنهم لا يتقاسمون القيم الغربية وأنهم قابلون للانخراط في المؤامرات العنيفة، وأنهم مغتصبون جشعان للثروات (ثرواتنا بالطبع)، وبالتالي يمثل الشعبان تهديداً للحضارة الغربية برمتها. ومن وجهة نظر نادر، فإنها لحقيقة محزنة بالفعل أنه في الوقت الذي لم يعد مقبولًا فيه إظهار التعصب ضد اليهود ولا مشاعر العداء للسامية ضد العرب -وضد المسلمين بالتبعية- إلا أن ذلك الأمر يظل جزءاً من ثقافتنا الشعبية، وخطابنا العام، مع ذلك. ولأسباب عديدة لم يعد التعصب ضد اليهود مقبولًا. ومن تلك الأسباب أن فظائع "الهولوكوست" ما زالت حية في الذاكرة. ومنها أننا في أميركا قد بتنا نألف ذلك التنوع الكبير ضمن الجالية اليهودية، وندرك تماماً المساهمات التي ساهمت بها في تراثنا الثقافي في مختلف الميادين، علاوة على أن قوة المنظمات والهيئات اليهودية وتوافرها على إمكانيات مالية هائلة، وتغلغلها في ميادين عديدة، ساعدت على ترسيخ فكرة أو انطباع مؤداه أن ثمة ثمناً يتعين على أي أحد يظهر نوعاً من التعصب والكراهية ضد اليهود، أن يدفعه. أما العرب والمسلمون فما زالوا يصورون في وسائل إعلامنا على أنهم أناس أكثر عنفاً، وأقل إنسانية، وأنهم لا يشاركوننا قيمنا، وأنهم أقل وطنية، وأكثر قابلية للتأثر بالغضب، وأقل استحقاقاً للثقة من قبل الغالبية العظمى منا. وهي أفكار ومشاعر ومعتقدات وانطباعات تتم تغذيتها يومياً من خلال أدواتنا الثقافية السياسية والشعبية على حد سواء (من خلال السينما الهوليودية بشكل خاص). وهناك أدلة عديدة على أن هناك معياراً مزدوجاً في النظرة لليهود والعرب في وقائع وأحداث لا حصر لها مثل طلب التصريح بإنشاء مراكز إسلامية، ومنع القوانين التي تطالب بفرض بعض أحكام الشريعة الإسلامية في بعض الولايات، ومطالبة بعض مرشحي الرئاسة بإلزام المسلمين بأداء قسم الولاء قبل الالتحاق بالخدمة العامة في الولايات المتحدة وفي الخدمة في الجيش وأجهزة فرض القانون. ومن يمارسون هذا التمييز ضد العرب يفعلون ذلك دون أن ينالهم عقاب، وإن حدث فإنه لا يزيد عن كونه مجرد تربيتة خفيفة على ظهر اليد. وما يمكن قوله في نهاية المطاف هو أن رالف نادر على حق عندما شجع على إجراء تلك المناقشات والحوارات في وسائل الإعلام، لأن هناك بالفعل معايير مزدوجة في المجتمع الأميركي على نحو مخجل. وكلما عالج الأميركيون هذه الظاهرة السلبية على نحو أسرع، كلما كان ذلك أفضل لبلدنا. جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن