بوسع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن يكون سعيداً. فبعد أن تم انتخابه رئيساً للجمهورية الفرنسية في السادس من مايو الماضي، ستكون لدى "هولاند" أغلبية برلمانية مريحة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع عشر من يونيو الجاري. النتيجة كانت منتظرة ولا تفاجئ أحداً. كما أنها تنسجم مع منطق الجمهورية الخامسة، وذلك لأن رئيس الجمهورية هو بمثابة القطعة المحورية للمؤسسات الدستورية. وعندما تجرى انتخابات تشريعية بعيد الانتخابات الرئاسية، فإن نتيجتها دائماً ما تأتي لتؤكد نتيجة الانتخابات الأولى. أما فترات التعايش السياسي (والمقصود بها الفترات التي يكون فيها الرئيس من لون سياسي معين، والأغلبية البرلمانية من لون سياسي مختلف)، فلا تحدث عادة إلا عندما يتم إجراء الانتخابات البرلمانية بعد وقت طويل على الانتخابات الرئاسية، وبعد وقت طويل من استعمال الرئيس للسلطة. والواقع أن الحزب الاشتراكي، بـ320 مقعداً من أصل 577، تمكن من الحصول حتى على الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية بمفرده. وهذا الإنجاز لم يحدث إلا أثناء "الموجة الوردية" بعد الانتخاب التاريخي لفرانسوا ميتران في 1981. أما في 1988 و1997، فلم يحصل الحزب سوى على أغلبية نسبية. ونتيجة لذلك، يمكن القول إن "اليسار"، الذي يوجد اليوم في وضع مريح لم يعرفه حتى الجنرال "دوجول" عندما كان في السلطة، بات يسيطر على كل دواليب الحياة السياسية. وهو وضع غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة. وهكذا، بات الاشتراكيون اليوم يسيطرون على رئاسة الجمهورية، ولكنهم يتوافرون أيضاً على الأغلبية في الجمعية الوطنية وفي مجلس الشيوخ (الذي كان معادياً لديجول في سنوات الستينيات ولميتران في سنوات الثمانينيات). كما يتولون رئاسة 21 من أصل 22 جهة، ويديرون معظم المدن الكبيرة. على أن المجلس الدستوري وحده، هو الذي أفلت من سيطرتهم، أما في ما عدا ذلك، فإن كل الوزراء المرشحين انتُخبوا. وبذلك، يكون الفرنسيون قد اختاروا تسليم فرانسوا هولاند مفاتيح السلطة. وهو ما يضع فرانسوا هولاند أمام مسؤوليات جسام، وذلك على اعتبار أنه لا توجد أشياء كثيرة لتعارض إرادته على الصعيد الداخلي، غير أن هامش المناورة لديه على الصعيد الدولي أضيق بكثير. وفي هذا السياق، فإن الخروج من الأزمة التي تتخبط فيها منطقة "اليورو"، والتوصل إلى اتفاق مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وإعادة إطلاق الآلة الاقتصادية، وتقليص البطالة التي ارتفعت إلى معدل تاريخي هو 10 في المئة من السكان، ووقف تراجع التصنيع في البلاد، وإعادة الأمل إلى شباب فقد البوصلة، ومصالحة الفرنسيين بعد حملة انتخابية عرفت وصم المسلمين … كلها أهداف سيكون تحقيقها أصعب من تشكيل أغلبية في الجمعية الوطنية. والملفت أن الناخبين عبروا خلال هذه الانتخابات عن رغبة قوية في التجديد، حيث تضاعف عدد النساء المنتخَبات في البرلمان ليصل إلى 155، أي ما يعادل 27 في المئة من المقاعد. كما أن عدداً من الشخصيات المقربة من نيكولا ساركوزي منيت بالهزيمة، ولم تتمكن من نيل عضوية البرلمان. وعلى الرغم من انتخابات لم تحقق فيها نتائج مهمة، فإن حزب "الجبهة الوطنية المتطرف" تمكن من الدخول إلى الجمعية الوطنية وسيظل حاضراً بقوة في الحياة السياسية الفرنسية. هذا في حين سيكون حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" (حزب نيكولا ساركوزي) مطالباً بحسم أموره والاختيار بين الاستراتيجيتين المطروحتين حالياً للنقاش: تبني تيمات الجبهة الوطنية من أجل امتصاص أصواتها وهزم "اليسار"، أو إقامة حاجز واضح مع هذا الحزب من أجل الظفر بأصوات الوسط. وإذا كان ساركوزي، قد اختار خلال الانتخابات الرئاسية الخيار الأول، فإن فرانسوا فيون، رئيس الوزراء السابق، يدافع عن الخيار الثاني، إلى جانب وزير الخارجية السابق ألان جيبي. والواقع أن الوسط الذي كان يجد دائماً صعوبة عند محاولته فرض نفسه في الحياة السياسية الفرنسية، (يُشار هنا إلى أن ثمة قولاً مأثوراً مفاده "إن الوسط، مثل مثلث برمودا، عندما يدخله المرء، يختفي"). وعلى سبيل المثال، فإن "فرانسوا بايرو" الذي كان يحمل ألوانه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم يتمكن من إعادة الانتخاب في الانتخابات التشريعية الأخيرة كنائب في البرلمان. وفي هذه الأثناء، هناك عملية استقطاب ثنائي قوية جداً في الحياة السياسية الفرنسية حالياً بين الحزب الاشتراكي وحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، وإن كان البيئيون سيستطيعون، لأول مرة في تاريخهم، تشكيل فريق برلماني في الجمعية الوطنية، بـ19 مقعداً. ولعل المشكلة الوحيدة المطروحة بالنسبة لفرانسوا هولاند، هي هزيمة خليلته السابقة ووالدة أبنائه سيجولين رويال، التي كانت مرشحة الحزب للانتخابات الرئاسية في 2007. فقد هُزمت على يد منشق اشتراكي. وهذا الأخير حظي بدعم الخليلة الحالية لفرانسوا هولاند، "فاليري تريرفيلر"، ونتيجة لذلك، فإن سيجولين رويال تشعر بمرارة كبيرة، ولاسيما أنها كانت تضع نصب عينيها منصب رئاسة الجمعية الوطنية. مأساة نفسية خاصة قد لا تخلو من عواقب سياسية. ولذلك، فإنه سيتعين إيجاد دور لسيجولين رويال، اللهم إلا إذا كان يرغب في المجازفة ودفع ثمن رغبة في الانتقام.