أبوالهول هو تمثال لمخلوق أسطوري بجسم أسد ورأس إنسان، وقد اختلفت التفسيرات حول ما يمثله هذا التمثال، فالرأي الأقوى أنه يجمع بين قوة الأسد وحكمة الإنسان. ولعل أبو الهول يحمل رسالة إلى الرئيس المصري الجديد أنه يمكن أن يصبح شيئين مختلفين في جسد رئيس. فمن يجلس على كرسي رئاسة مصر، يجب أن يخضع لمتطلبات وشروط هذا الكرسي، على ألا يكون أسير توجهاتهِ ومعتقداتهِ التي لا بد أن تكون حاضرة ومؤثرة في السياسات الخارجية والداخلية، لكن من المحال أن تتصادم مع ما يفرضه الكرسي، حيث الكرسي يمثل دولة مصر المتعددة الأطياف والاتجاهات السياسية. ها وقد أتى الرئيس المصري بعد أشواط انتخابية ليجلس على كرسي الرئاسة، وليكون أول رئيس مصري منتخب في الدولة المصرية الحديثة "من التيار الإسلامي". ولعل هناك مخاوف من حدوث تصادم بين الكرسي ومن يجلس عليه، وتلك المخاوف تأتي من خلال وجود المسلمات الدولية من العلاقات الدولية واحترام سيادة الدول، وأيضاً هناك هاجس على دور مصر في إطارها الإقليمي والدولي، هل سيكون في تعزيز حضور وتطور مصر أو استنزاف قدراتها؟، كما أن السياسة العامة وتحقيق العيش الكريم يمثلان مطلباً قوياً جداً، حيث لابد أن تعتمد السياسة العامة مبادئ من العلمانية والحداثة، فعلى سبيل المثال الحراك الإعلامي والفني في مصر هو ناتج أتى من دولة أخذت بشيء قليل من الحداثة الغربية مبتعدةً قليلاً عن سيطرة الدين. فكل ذلك هل سيخضع للرئيس وإيديولوجيتهِ ومعتقداتهِ وخبرتهِ ورئيس حكومته وبرلمان الدولة وأطيافه السياسية المختلفة، وكيف ينظر إلى العالم، أم سيخضع لما يفرضه كرسي الرئاسة لجمهورية مصر في الشرق الأوسط وأزماته التي تدور حول التغيير الكامل في النهج السياسي والاقتصادي. كما هو أبوالهول جسد أسد ورأس إنسان، فإن الرئيس لا بد أن يكون كذلك. فالعلاقات الدولية هي علاقات بين دول وشعوب ومجتمعات مختلفة في الدين والثقافة والتاريخ والاقتصاد أيضاً، كما أن العلاقات الدولية هي علاقات علمانية إلى حد كبير جداً، لها أعراف وقواعد قانونية تحمل احترام سيادة الدول وأمنها وتحفز على التعاون والاتصال، وتلعب المصالح لعبتها لدى الدول في الحصول على القوة والأمن وتحقيق التطور والنمو وتلبية حاجات مجتمعاتها المادية كالسلع والمعنوية كالمعرفة والثقافة. هذه العلاقات الدولية ليس متوافرة في معتقدات وأدبيات التيارات الإسلامية حيث يسود عقل "التيارات الإسلامية" نظرة عالمية بين عالم مسلم وآخر كافر، كما أنهم يكسرون سيادة الدول وما نتج عن التاريخ من تحول الدول التي كانت قائمة دينياً بفضل ظروف تاريخية مرت بها البشريه إلى دول قوميه اندثرت وأصبحت دولاً قُطرية لها حدودها المعترف بها دولياً، فبعد ويلات الحروب أتى العالم كأنهُ قرية صغيرة بسبب التطور والحداثة وكنتاج لتاريخ البشرية، فهناك أفكار للتيارات الإسلامية تكسر سيادة الدول بفكرة الخلافة الإسلامية. وهنا حالة من التصادم والتلاقي بين الكرسي وصاحبه، حيث الدول العربية والإسلامية لديها منظمات "الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي"، يستطيع صاحب الكرسي أن تكون له توجهاته الخاصة بعالمهِ العربي والإسلامي، وهو في نفس الوقت محافظ على مبادئ العلاقات الدولية. كما أن الكرسي المصري قد ورث سياسة خارجية من حقبة عبد الناصر ذات توجه عروبي والتوجه شبه القطري مع السادات، ثم أتت السياسة الخارجية المصرية مع حسنى مبارك عبر محددات تتمثل في دعم القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية مع الحفاظ على ما نتج عن سنين السادات كالسلام مع إسرائيل وعدم زج مصر في صراعات تستنزفها، وكان هذا واضح وضوح الشمس بعد محاولة العراق لعب دور مصر الذي فُقدَ بعد معاهدة كامب ديفيد. ولكن احتلال العراق للكويت أعاد دور مصر العربي والذي يمثل حقيقة ثابته في أبعاد الدور المصري، الذي لم تكن أي دولة عربية تستطيع ملئهُ. وسياسة التوازن بين دعم القضايا العربية والحفاظ على مصر التي مثلها مبارك في السياسة الخارجية، قد مثلها قبلهُ السادات في آخر أيامه، فمن حديث مساعد وزير الخارجية الفرنسية أن السادات طلب دعم العراق في حربهِ مع إيران بسبب منع بروز التيارات الإسلامية، التي لن تحقق أمناً واستقراراً في المنطقة العربية، وكان الوزير مستغرباً آنذاك لأن العراق هو من سعى إلى تجميد عضوية مصر وإخراج مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس. فهذه السياسة بين دعم القضايا العربية والمحافظة على قوة وتطور مصر لا بد أن تكون فلسفة لتوازن يحفظ مصر وعروبتها ودورها الخارجي والتي يفرضها الكرسي أو أبوالهول في جسد يمثل الأسد فيه القوة والإنسان برأسه الحكمة. نأتي إلى السياسة العامة، فهي الشرعية الأساسية حيث جل شؤونها تصب في تلبية حاجات المجتمع من أمن الفرد والمجتمع والعيش الكريم والتطور والنمو الاقتصادي. والمجتمع هو مصدر الشرعية، حيث مدى إنجاز مطالب المجتمع أو الشعب هو معيار لشرعية بقاء الرئيس والحكومة بشكل أساسي. لا يمكن وصف المجتمع المصري بأنه مجتمع محصور بين مسلم ومسيحي، بل الشعب المصري به مجتمعات من الليبراليين والعلمانيين والمتدينين والرأسماليين والاشتراكيين والأغنياء والفقراء ومختلفي المهن. وهذه الحقيقة تقود إلى أن المطالب متعددة من المواطنة الكاملة "في الحقوق والواجبات" واحترام الاختلاف الأيديولوجي وتحقيق العدالة الاجتماعية. حقيقةً، الاختلاف يقود إلى حقيقة استحالة وجود سياسة عامة تخرج من توجه ديني بحت لا يستند إلى معرفة اجتماعية وعلمية وإلى جوانب علمانية، حيث فصل الدين عن بعض السياسات العامة يكون ناجحاً لفئات لا يستهان فيها في المجتمع. أخيراً، ربما نجاح وقدوم الرئيس من التيار الإسلامي د. محمد مرسي، قد كفى مصر صدامات داخلية، وقد حقق حقيقة نجاح الثورة في عدم وصول أحمد شفيق الذي يُعتبر لدى البعض ظل النظام السابق. الآن أمام الرئيس الجديد معادلة صعبة بين متطلبات وواجبات كرسي الرئيس "الداخلية والخارجية" ومكونات الرئيس العقائدية والمعرفية، التي لابد وأن تنعكس في قراراته ِوسياساتهِ وسلوكهِ بصورة مباشرة وغير مباشرة، فهل الرئيس سيخضع إلى حد كبير إلى ما يفرضهُ الكرسي أو سيكون خاضعاً لما يتصورهُ ويعتقدهُ هو ومرشد الإخوان أيضاً، " أي هل سيكون حال القاهرة كطهران التي يخضع فيها الرئيس إلى مرشد الثورة الإسلامية؟. وإذا كان أبوالهول ينطق لقال إذا غلب التوجه الشخصي للرئيس على ما يفرضه الكرسي سيخسر التوجه الإسلامي السياسي شعبيتهُ في مصر، وستعتل مصداقية التيارات الإسلامية عموماً في قدرتها على القيادة السياسية والاقتصادية، ولن تستطيع استخدام الدين في الحصول على شرعية لها أبداً، لأن المخطئ في السياسة اليوم ليس له فرصة أخرى يدعيها.