أجج عنوان غلاف مجلة "أتلانتيك" الذي حمل تساؤلاً مؤداه: "لماذا لا تنال النساء كل حقوقهن؟" النقاش مجدداً حول السبب الذي مازال يمنع النساء في أميركا من تقلد المناصب العليا، أو بالأحرى سبب توقف ذلك بعد تقدم أُحرز في السابق، ثم سرعان ما أثيرت أسئلة أخرى حول الجدوى من الحديث عن حقوق النساء في أماكن العمل فيما البلاد تعيش تداعيات الركود الاقتصادي الكبير وبطء النمو. لكن الأمر مختلف في القطاع المالي الذي يجدر به فعلاً طرح سؤال الحضور النسائي في قمة المناصب القيادية، فرغم الاختلاف الكبير في الآراء حول فائدة التنوع في أماكن العمل تبقى الحقائق شاخصة للعيان لا يمكن التشكيك فيها، فقد أظهرت الدراسات تلو الدراسات بأن النساء أقل ميلاً للمجازفة في بعض النشاطات الاقتصادية من الرجال بما فيها شركات "وول ستريت" التي تنشط في عمليات المضاربة والتجارة، كما أن دراسات أخرى عديدة أكدت أن النساء يركزن أكثر على تنمية العلاقات بين الأفراد مقارنة بالرجال، هذا بالإضافة إلى ما تبرزه الدراسات من اهتمام أقل لدى النساء بتحقيق مكاسب آنية على مدى القريب مقابل التركيز على مكاسب المدى البعيد في اختلاف تمام مع الرجال الذين عادة ما تكون المعادلة لديهم مقلوبة بتفضيل كل ما هو راهن وآني على البعيد والاستراتيجي، لذا يبرز السؤال: ألا يمكن للبنوك الاستفادة من هذه الصفات لتحسين إدارتها وتطوير أعمالها؟ فربما نتيجة للتكامل الموجود في المقاربات المختلفة بين الرجال والنساء إزاء أسلوب العمل تحث الدراسات المختلفة التي أجريت في هذا المجال على تنويع فرق الإدارة بعدما أظهر التنوع فرصاً أكبر للنجاح والقيادة المتميزة. كما أن البحث الأكاديمي يشير إلى أن فرق العمل الأكثر تنوعاً في تركيبتها هي الأكثر قدرة على الإدارة الناجحة، فكيف يمكن لهذه الخلاصات أن تكون صحيحة؟ لأن الاكتفاء بإضافة شخص حامل لشهادة الدكتوراه في الرياضيات التطبيقية إلى فريق عمل مليء أصلاً بأصحاب المهارات نفسها لن يضيف جديداً إلى الشركة، في حين لو أضفنا شخصاً بإمكانات مغايرة وخلفيات أخرى كأن يكون متخصصاً في تكنولوجيا المعلومات، أو في إدارة الأشخاص فلا بد أن نشعر بالاختلاف، وإذا كان التنوع في العرق واللون هو دلالة على تنوع في التجارب أيضاً فإن إدماج التنوع في بيئة العمل يعطي وجهات نظر مختلفة ويساعد على حل المشاكل المطروحة. ورغم النقاش الدائر حالياً في أميركا حول كيفية تقليص الأخطار والحد من اتخاذ القرارات المتسرعة في البنوك الكبيرة تجنباً للمشكلات التي أدت إلى الأزمة ثم الركود، إلا أننا ما زلنا حتى اليوم بعيدين عن حوار حقيقي حول دور وفائدة التنوع في بيئة العمل وقدرته على تفادي تلك المشكلات، لا سيما في القطاع المالي الأكثر تضرراً، فتمثيل النساء في المراكز العليا ضمن المؤسسات المالية يعد على أصابع اليد الواحدة. وفي الوقت الذي تحظى به النساء بنسبة مشاركة وحضور مناسبة في المواقع الموجهة للتعامل مع العملاء والخدمات الأخرى، تبقى ضعيفة جداً في المواقع الأخرى المهتمة بإجراء المعاملات واتخاذ القرارات ذات الخطورة العالية، فهل يرجع الأمر إلى التمييز ضد النساء بصفة عامة؟ الحقيقة أنني وعلى مدار الوقت الذي قضيته في "وول ستريت"، لم ألاحظ قط تمييزاً في الترقيات، لكن في المقابل شاهدت ميلاً لدى المديرين بتفضيل من يعرفونهم في الإدارة لمنحهم الترقية، لا سيما في وقت الأزمة التي يلجأ فيه المديرون إلى وضع ثقتهم فيمن يعرفونهم خوفاً من الجديد غير المعروف. ومع أنه من الصعب تحديد ما إذا كانت المؤسسات المالية ستعاني أقل قبل سنوات عندما اندلعت الأزمة لو أنها اعتمدت على أشخاص من خلفيات متنوعة في قمة الإدارة، إلا أن الواضح اليوم أن جزءاً كبيراً من مشكلات القطاع المالي ترجع إلى عقلية القطيع التي سادت أعلى هرم الإدارة بسبب الاعتماد على الأشخاص الموثوق في كفاءتهم حتى لا تتشابه تلك الكفاءات وتتكرر دون طائل، والنتيجة هي تضييق هامش الاختلاف في وجهات النظر وطرح الأفكار والتصورات المختلفة التي في النهاية أدت إلى السقوط في الأزمة. ورغم ما يثيره موضوع التنوع في الإدارة من مشاعر قوية سواء لدى المديرين، أو في بعض الدوائر الأكاديمية، إلا أنه على مجالس الإدارة في الشركات المختلفة أن يدركوا بأنه خدمة لمصالح أصحاب الأسهم والمودعين وأصحاب الاستثمارات الذين وثقوا في مؤسساتهم وضخوا فيها أموالهم عليهم التوقف قليلاً وإجراء نقذ ذاتي بات ضرورياً اليوم، وليس عيباً أن تُغير قواعد التقييم لفرق الإدارة العليا بضم عامل التنوع في المجالس الإدارية إذا كان ذلك يؤدي إلى النفع العام، وفيما يجادل البعض أنه من غير المناسب ونحن في مرحلة الأزمة أن نضيف المزيد من المديرين إلى الشركات بحجة تنويع الإدارة والاستعانة بخلفيات متنوعة، إلا أن العيب الأكبر هو أن نُبقي على نفس التجانس في فرق الإدارة رغم النتائج الكارثية في السنوات الماضية، فأي ركود جديد بسبب قصور في الأداء الإداري للشركات الكبرى والمؤسسات المالية الحيوية قد يلحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد الأميركي، وهو ما يعني أن موضوع التنوع أمر يحتاج على الأقل إلى مناقشته بشكل موضوعي وعلمي لتحديد ما إذا كان التنوع في بيئة العمل هو فقط حق والشيء المناسب، أم هو أكثر من ذلك باعتباره الخطوة الذكية لتحسين الأداء. سالي كروتشيك كاتبة واقتصادية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"