في هذا الكتاب الجديد، يحاول الكاتب والصحفي الأميركي من أصل هندي راجيف شاندراسيكران وضع إصبعه على "مكمن الخلل" في حرب أفغانستان، تماما مثلما فعل في كتابه السابق حول حرب العراق، والذي لاقى رواجاً كبيراً. ولا شك أن شاندراسيكران الذي قضى ثلاث سنوات في أفغانستان محاولا فهم الأطراف المختلفة في هذه الحرب، يأمل تكرار ذلك النجاح في كتابه "أميركا الصغيرة... الحرب داخل الحرب من أجل أفغانستان". ويحيل عنوان الكتاب إلى مشروع أميركي بدأ عام 1951، إبان الحرب الباردة، عندما أخذ مهندسون أميركيون على عاتقهم إنشاء مشروع تنموي كبير في جنوب أفغانستان في محاولة لاستمالة البلاد وإخراجها من النفوذ السوفييتي، فأنشؤوا سدودا وقنوات ري، وبنوا منطقة سكنية راقية تعرف باسم "أميركا الصغيرة"، مزودة بمدرسة عصرية على النموذج الغربي، ومسبح مختلط، وناد فخم... وكلها أشياء جسدت آمال الأميركيين والأفغان في علاقة وثيقة. غير أنه في أواخر السبعينيات غادر الأميركيون المنطقة وتخلوا عنها لزعماء الحرب ومزارعي الخشخاش. ولم يكتب لذلك المشروع أن يرى النور. الكاتب يشير إلى أنه على غرار تلك المبادرات الأولى، فإن الجهود الأميركية الأخيرة الرامية إلى تحويل إقليمي هيلمند وقندهار، سيكون مآلها الفشل على الأرجح. لكن بعض النقاد الأميركيين، وإذ يقرون بأن شاندراسيكران ربما يكون محقاً على المدى الطويل، فإن أطروحته متهافتة ومردود عليها، ذلك أن عنف الحركات المتمردة في أفغانستان آخذ في الانخفاض وليس في الارتفاع، حيث تفيد الأمم المتحدة بأن وفيات المدنيين في أفغانستان انخفضت بـ21 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من 2011. كما يشير "الناتو" من جانبه إلى أن الهجمات بواسطة العبوات الناسفة التي تعتبر السلاح الرئيسي للمتمردين، انخفضت بـ20 في المئة خلال الفترة نفسها. ثم إن شاندراسيكران نفسه يقر بأن "التحسنات الأمنية في الجنوب، والتي تعزى إلى زيادة عديد الجنود، كانت كبيرة بحلول منتصف 2011". شاندراسيكران يصف كيف أن "مجلس أوباما الحربي كان في أحيان كثيرة في حرب مع نفسه"، وكيف أن "تلك الخصومات والصراعات تفاقمت أكثر وازدادت سوءاً بسبب العناد وانعدام الكفاءة داخل وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية"، معتبراً أن الوكالات المدنية أرسلت عدداً قليلا جداً من الموظفين الذين كانت كفاءتهم متدنية وانتهى الأمر بمعظمهم في مكاتب بالعاصمة كابول بدلا من "النزول إلى الميدان". وعلاوة على ذلك، يرى الكاتب أن البيروقراطيين الأميركيين أظهروا تمسكاً غير عقلاني بمشاريع تنموية كبيرة وباهظة تتطلب صيانتها والحفاظ عليها أموالا طائلة، مثل سد كاجاكي في شمال هيلمند، بينما أُهملت إمكانيات القطن من أجل استبدال الخشخاش كمحصول مفضل لدى المزارعين في هيلمند. كما يعتبر شاندراسيكران "البنتاجون جد عشائري"؛ حيث صور مشاة البحرية الذين كُلفوا بإقليم هيلمند عام 2008، وهم يغدقون على قرى نائية موارد كبيرة جداً لا تتناسب وحجمها، موارد يقول إنها كانت ستوزع على نحو أفضل في المراكز السكانية الأكبر مثل مدينة قندهار. غير أنه مما يعاب على شاندراسيكران هجومه الشرس على سياسة محاربة التمرد، والتي يعتبرها "إيديولوجيا" تبناها "قادة أميركا العسكريون... بحماسة المتدينين الجدد"؛ ليرد عليه النقاد بالقول إن محاربة التمرد مقاربة أثبتت فعاليتها أجيال من الجنود في بلدان مختلفة مثل الفلبين والسلفادور وأيرلندا الشمالية وكولومبيا والعراق. وبالمقابل، يجادل شاندراسيكران بأن الغارات التي تنفذها القوات الخاصة للقضاء على زعماء التمرد هي أكثر فعالية، لكنه يغفل أنها تمثل جزءاً من مقاربة شاملة لمحاربة التمرد، وأنه عندما يتم استهداف الزعامات بشكل منعزل، فإن ذلك لا يحقق المراد منه. وكبديل لمحاربة التمرد في أفغانستان، يؤيد شاندراسيكران الرأي القائل بأنه "كان ينبغي على أوباما أن يختار الطول، وليس الكبر"، بمعنى أنه كان يجدر به إرسال عدد أقل من الجنود، على أن يُبقي عليهم هناك لفترة أطول. ثم يضيف: "كان سيرغم الأفغان على القيام بأشياء أكثر لأنفسهم، وكان سيدفع الأميركيين لتبني مبادرات أكثر تواضعاً واستدامةً". رأي يرى بعض النقاد أنه يتجاهل هشاشة الوضع الأفغاني؛ وذلك على اعتبار أن تقييم الجنرال ماكريستل في صيف عام 2009 كان هو أنه في غياب حشد عسكري مهم، فإن مآل الجهد الحربي "سيكون الفشل ربما". كما أنه من المستبعد أن زيادة أكثر تواضعاً في عديد الجنود كانت ستوقف اندفاع "طالبان". وبشكل عام، يظل كتاب "أميركا الصغيرة... الحرب داخل الحرب من أجل أفغانستان"، واحداً من الكتب القيمة التي تكتنز بمعلومات غنية ومفيدة، لاسيما بالنسبة لمن مازالوا يرغبون في فهم الانخراط الأميركي في أفغانستان، والذي كلف الولايات المتحدة ولازال يكلفها ثمناً باهظاً من حيث الأرواح والأموال. محمد وقيف ------- الكتاب: أميركا الصغيرة... الحرب داخل الحرب من أجل أميركا المؤلف: راجيف شاندراسيكران الناشر: نوف تاريخ النشر: 2012