تفاقم تصعيد الأزمة السورية... واستمرار غياب الإرادة الدولية إعادة طرح قضية الحجاب مجدداً في فرنسا وإن من الباب الرياضي فقط، والتفاقم المستمر للأزمة السورية، وانتقاد الجمهوريين لموقف أوباما منها وعجزه عن اجتراح سياسات قادرة على التعامل مع تحديات هذه الأزمة، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. الحجاب والرياضة في صحيفة لوموند كتب جان- فيليب أسانسي مقالاً بعنوان "الحجاب يهدد عالمية الرياضة"، ناقش فيه أبعاد وخلفيات قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" السماح للنساء بلبس الحجاب (غطاء الرأس)، أثناء المنافسات الرسمية، وتداعيات ذلك على الحالة الفرنسية خاصة، والأوروبية عامة، لجهة احتمال عودة السجال حول الحجاب والنقاب وغيرهما من الموضوعات التي أثارت جدالات كثيرة، في السياقين الأوروبي والفرنسي. وفي البداية اعتبر الكاتب أن قرار "الفيفا" الذي جاء قبيل أيام قليلة فحسب من انطلاق فعاليات الألعاب الأولمبية التي ستستضيفها لندن، يعتبر بكل المقاييس قراراً تاريخياً واستثنائياً، ولا سابق له، مما يجعل من الضروري التفكير منذ الآن في تداعياته المحتملة، وفي مقدمتها مدى انعكاسه، سلباً أو إيجاباً، على قيم العيش المشترك والاندماج خاصة في المدن الفرنسية. ولاشك -يقول الكاتب- أن هذا الحدث المهم، سيؤثر بشكل كبير في قيم ممارسة الرياضة، وأيضاً قيم العيش المشترك في الفضاء العام، وبالدرجة نفسها قيم حركات الدفاع عن حضور وحقوق النساء في العالم الإسلامي، لجهة تسهيل ممارسة الرياضة أمام قطاعات عريضة منهن، ربما كن سيواجهن مصاعب في ممارستها دون اعتماد قرار رياضي جريء من هذا القبيل. وفي سياق احتمال إعادة تحفيز قرار "الفيفا" لسجال الحجاب مجدداً في بعض الضواحي الفرنسية، حيث تتواجد النسبة الأكبر من السكان المسلمين ذوي الأصول المغاربية، اعتبر الكاتب، في أسلوب تحامل لا تخطئه الملاحظة، أن قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم سيدعم موقف بعض المتشددين الذين يريدون التضييق على كافة فرص ظهور وحضور النساء في الفضاء العام، بما في ذلك حلبات وساحات الرياضة. وفي غمرات سعيه لتحميل قرار "الفيفا" أكثر مما يحتمل، اعتبر الكاتب، أن المبدأ في الرياضة عموماً هو العمل على تسهيل التقارب والانفتاح بين الناس، كما أن أحد أوجه قوة المنافسات الرياضية يكمن في تعدد وتنوع المتنافسين فيها من حيث تعدد أصولهم ومستوياتهم، وهو ما يعني استطراداً أنه لا مكان للرموز الدينية على حلباتها. وفي الأخير يتساءل الكاتب إن كانت بقية الرياضات الأخرى ستحذو حذو الاتحاد الدولي لكرة القدم بالسماح للنساء بارتداء الحجاب، مشيراً في هذا الصدد إلى أن كثيرين يتوقعون أن يكون الاتحاد الدولي لكرة اليد هو الاتحاد التالي الذي يسمح بذلك. كما رصد الكاتب أيضاً ردود فعل بعض مسيري الأندية الفرنسية على هذا القرار، واحتمال تأثر النسيج الرياضي النسائي الفرنسي بصفة عامة بعودة مسألة الحجاب، التي حولها بعض الفرنسيين إلى ما يشبه القضية الوطنية الخاصة، من خلال الزعم بتعارضها مع قيم العلمانية، والقيم الجمهورية بصفة عامة. المنعطف السوري اعتبر الكاتب فرانسوا سيرجان في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون أن الهجوم العنيف الذي شهدته دمشق مؤخراً وقتل فيه بعض رموز نظام الأسد، يمثل في الواقع منعطفاً بالغ الرمزية والأهمية، لجهة الدلالة على اتجاه مسار الأزمة السورية الدموية التي امتدت لأكثر من ستة عشر شهراً، وراح جراءها حتى الآن قرابة العشرين ألفاً، هذا إضافة إلى عشرات الآلاف الآخرين من المعتقلين والمسجونين. ولا جدال في أن درجة القمع التي تعامل بها النظام السوري مع المحتجين قد ضربت أرقاماً قياسية في عنفها وقسوتها، ولذا كان عدد الضحايا كبيراً جداً في صفوف المدنيين العزل من نساء وأطفال ومسنين. هذا زيادة على تفشي أعمال التعذيب الوحشية، والقصف والتدمير اللذين تعرضت لهما أحياء كاملة في بعض المدن السورية. واليوم أفلس رهان النظام على إمكانية قمع ووأد الثورة في سوريا والقضاء عليها بالقوة، وحلول العنف والدم. وقد شكل الهجوم العنيف الذي وقع في وسط العاصمة دمشق واستهدف قلب المؤسسة القمعية السورية نفسها، دليلاً قاطعاً آخر على أن نهاية نظام الطغمة الحاكمة الآن في دمشق قد أصبحت وشيكة. وقد تم استهداف بعض أبرز قادة الجيش، والمؤسسة الأمنية، وكذلك صهر الرئيس المتنفذ. وفي حين كان يتم تقديم العاصمة على أنها مستقرة، وبعيدة عن تداعيات الاحتجاجات، أصبحت اليوم منطقة قتال ومعارك محتدمة، ما يثبت فشل رهان النظام أيضاً على تحييدها، واتخاذها قاعدة ارتكاز آمنة ينطلق منها في حربه ضد الشعب السوري. وفي هذه الأثناء تتواصل حالات الانشقاق عن الجيش النظامي، ويزداد تضييق الخناق الداخلي والخارجي على النظام، وعلى رئيسه الذي لم يألُ جهداً في تدمير بلاده وخنق تطلعات شعبها. ومن جانبها نشرت صحيفة لوموند تحليلاً سياسياً رصدت فيه ما اعتبرته إخفاقاً شبه معلن من جانب الأمم المتحدة في تعاملها مع الأزمة السورية. وفي حين ترتمي دمشق في أتون مرحلة جديدة من العنف الصاخب، ينشغل مجلس الأمن في نيويورك بخطابة حساباته وتوازناته، دون أن يتمكن من اتخاذ أي موقف حاسم بحجم الأحداث الجارية على الأرض السورية. وفي الحقيقة أن سجالات نيويورك العقيمة، واختلافات المندوبين فيها العميقة، لم تعد كلها ذات قيمة، طالما أن دبلوماسية مجلس الأمن ما زالت عاجزة، منذ ستة عشر شهراً، عن التأثير في الأزمة السورية، أو اتخاذ أي قرار من شأنه تهدئة جموحها، وعنفها الطليق. وتعليقاً على مرحلة التصعيد الحالية اعتبرت الصحيفة أن تسارع تردي الوضع لم يعد يترك مجالاً للدبلوماسية، ولذا فإن مهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، وكذلك مهمة المراقبين الدوليين، لم يعد لهما من معنى سوى تغطية العجز الدولي، والغربي أساساً، تجاه استحقاقات الأزمة السورية. وأكثر من هذا فقد أظهرت هذه الأزمة أن المجتمع الدولي ما زال غير قادر على تحمل مسؤولياته في مثل هذه الحالات الملحة. وأما الأمم المتحدة نفسها فلم تستطع الوفاء -في الحالة السورية- ببعض الأهداف الأساسية التي أنشئت من أجلها أصلاً، وهو ما يخصم من رصيد مصداقيتها ومصداقية غيرها من المؤسسات والمنظمات الدولية. أوباما وسوريا صحيفة لوفيغارو نشرت عدة تحليلات حول محاولات المرشح الجمهوري الأميركي "ميت رومني" توظيف تعقيدات وعقبات المسألة السورية كورقة ضغط يستغلها ضد منافسه في السباق الرئاسي الأميركي، الرئيس أوباما. وكان آخر ما حاول رومني استغلاله هو إخفاق الهجوم الدبلوماسي القوي الذي شنته إدارة أوباما ضد نظام الأسد مؤخراً، وهو هجوم لم يحقق حتى الآن الغايات التي هدف إليها. ومن جانبه، يلعب أوباما لعبة محسوبة بعناية في تعامله مع الأزمة السورية منذ بداية نشوبها قبل ستة عشر شهراً، حيث يحاذر الانخراط في أي تدخل خارجي خلال فترة الحملة، وفي ذات الوقت يستجيب أيضاً قدر استطاعته لما يقتضيه واجب التدخل السياسي لحماية المدنيين العزل الذين يتعرضون للقتل والقمع على يد نظام دمشق. ولذا ظل أوباما يدفع بورقة الأمم المتحدة، ويسعى في الوقت نفسه لحشد وتعبئة موقف دولي موحد يضم بقية القوى الدولية الكبرى الأخرى. غير أن حالات "الفيتو" الروسي- الصيني المتواصلة في مجلس الأمن ظلت هي ما يعيق تحقق مقاربة أوباما لإنهاء الأزمة السورية. وفي هذه الأثناء ظلت سهام النقد من الحزب الجمهوري تنهال على ساكن البيت الأبيض. وقد تركزت خاصة على عجزه عن تغيير الموقف الروسي في مجلس الأمن، وخاصة بعد استخدام موسكو لحق "الفيتو" الآن أيضاً ضد قرار حازم ضد نظام دمشق كان متوقعاً أن يكون له تأثير قوي لإنهاء الأزمة السورية. وقد اعتبر رومني أن سياسة أوباما الرامية إلى إعادة ضبط العلاقة مع روسيا، قد أخفقت، كما أن استمرار وتفاقم الأزمة السورية يثبت عدم قدرته على لعب دور قائد في مجلس الأمن الدولي. إعداد: حسن ولد المختار