في الثامن عشر من شهر يوليو الجاري تعرضت خلية الأزمة السورية التي يشرف عليها النظام مباشرة لضربة قاصمة بعدما هز انفجار مدوي مقر الأمن القومي في دمشق، والذي كانت تعقد فيه الخلية اجتماعها الأمني حول الأوضاع المتدهورة في البلاد. ويبدو من خلال التقارير الإخبارية أن قنبلة تم تهريبها إلى داخل قاعة الاجتماع، وتم تفجيرها في وجوه أسماء أمنية بارزة في البلاد مسؤولة عن الحملة الشرسة ضد المعارضة والثوار. وبعد هذا التفجير الذي طال أحد أشد المباني حراسة، يحق للأسد نفسه أن يتساءل عما إذا كانت سلامته مضمونة وحراسته مؤمّنة في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها سوريا. ومن الطبيعي في هذه الحال أن تزعج المشاهد الدموية لقتل القذافي في ليبيا الرئيس السوري وتقض مضجعه بعدما انتقلت المعركة إلى دمشق وباتت تقترب من القصر الرئاسي. ولعل ما يزيد من احتمال هذا السيناريو التقارير التي تتحدث عن تهريب الأسد ملايين الدولارات إلى روسيا. ولا أملك هنا سوى التساؤل عن كيف يمكن لهؤلاء القادة أن ينهبوا مقدرات بلدانهم فيما يقومون بجولات دعائية على المستشفيات المهملة والمرافق المتداعية التي هي بأمس الحاجة إلى الأموال المسروقة والخيرات المنهوبة، فكم من مدرسة تنقصها الكتب الدراسية والمقاعد؟ وكم من وحدة عسكرية لا تملك قطع الغيار لتشغيل آلياتها؟ وفي الهجوم الذي ما زالت تفاصيله غامضة حتى اليوم، تأكدت الحصيلة المؤلمة للنظام بمتقل كبار القادة العسكريين والأمنيين في البلاد، وتحمل "الجيش السوري الحر" مسؤوليته عنها. ومن أبرز من سقطوا في الهجوم آصف شوكت، صهر الرئيس الذي تكشف برقيات "ويكيلكس" المسربة بأنه كان أحد رجال النظام الأقوياء المعروف بشراسته وكفاءته أيضاً. كما قُتل وزير الدفاع داوود راجحة، الذي تولى منصبه لسنة فقط وينتمي إلى الطائفة المسيحية الأرثوذكسية. كما سقط حسن تركماني، وزير الدفاع السابق الذي تولى قمع الانتفاضة السورية في بدايتها. ثم وزير الداخلية محمد الشعار، ومدير الاستخبارات هشام باختيار، اللذان أصيبا بجروح خطيرة ليُعلن لاحقاً عن وفاتهما. وجاءت العملية النوعية التي استهدفت مقر الأمن القومي في دمشق بعد اشتداد المعارك والمواجهات المباشرة بين الثوار وقوات الجيش النظامي. وأمام اندفاع الثوار نحو العاصمة استخدم النظام الطائرات المروحية في محاولة لمنع الثوار من السيطرة على أحياء وسط العاصمة. ومن جهته أعلن "الجيش السوري" الحر أنه نقل المعركة من ضواحي دمشق وريفها إلى وسط العاصمة، مطلِقاً على هذه العملية الجريئة اسم "البركان". لكن رغم الإرادة الصلبة للجيش السوري الحر في مباغتة النظام في عقر داره، فإن الأسلحة التي يعتمد عليها حتى الآن هي من النوع الخفيف الذي لا يقوى على الصمود أمام أسلحة النظام الثقيلة، لذا من المتوقع أن يقوم الثوار بانسحابات تكتيكية من مناطق بعينها، كما أن إقدام النظام على تحريك قواته العسكرية من مرتفعات الجولان باتجاه العاصمة يدل على مدى جدية المعركة. لكن القضية التي برزت إلى السطح مؤخراً وتثير قلق المجتمع الدولي وجيران سوريا، تتعلق بترسانة النظام من الأسلحة الكيماوية، إذ يُعتقد أن سوريا التي رفضت التوقيع على معاهدة الأسلحة النووية، تمتلك مخزوناً من غازي السارين والخردل... فما مآل تلك الأسلحة في ظل الوضع المضطرب الذي تعيشه البلاد؟ وفيما عدا الدينامية الداخلية في سوريا، والتي قد ترجح كفة طرف على الآخر مع مرور الزمن، تظل التفاعلات الخارجية مع الأزمة السورية على حالها باستمرار موسكو على موقفها الرافض لتوقيع عقوبات على نظام الأسد تحت الفصل السابع، تساندها الصين التي استخدمت مع روسيا، الأسبوع الماضي، حق النقض (الفيتو) لإجهاض قرار مجلس الأمن حول سوريا، وهي المرة الثالثة التي يلجأ فيها البلدان إلى تعطيل قرار أممي والوقوف مع النظام السوري. ورغم محاولات الإدارة الأميركية تليين مواقف الرئيس الروسي بوتين، من خلال المكالمة الهاتفية التي اجراها معه أوباما قبل موعد التصويت، تبقى روسيا مصممة على الانحياز لحليفها السوري. فالكرملين منزعج من مساعي تغيير النظام في سوريا، بسبب ما يواجهه بوتين داخلياً من احتجاجات شعبية وانتقادات سياسية، كما يتخوف الكرملين من فقدان موطئ قدم له على ساحل المتوسط وخسارته ميناء "طرطوس" الذي يوفر لروسيا منفذاً على المياه الدافئة. وهناك تساؤل الآن عما إذا كان هذا الميناء الاستراتيجي سيمثل المنفذ الوحيد للرئيس الأسد وعائلته للفرار نحو روسيا في حال اشتداد الخناق ودنو النهاية، لاسيما أن دعوات التفاوض المباشر مع النظام لا تلقى تجواباً من المعارضة التي تصر على تنحيه ومناقشة بنود المرحلة الانتقالية. والحقيقة أنه بعد الجرائم التي ارتكبت والعدد الكبير من الضحايا والتعذيب الذي ما زال يمارس ضد السوريين، يحق للمعارضة رفض التفاوض مع نظام يده ملطخة بدماء المدنيين. وفي تخمينات أخرى يرى البعض أن النظام سيعزل نفسه بعيداً عن الأغلبية السنية في المناطق الساحلية ذات الكثافة العلوية المرتفعة، لكن مثل هذا السيناريو لن يكتب له النجاح بالنظر إلى الواقع الديموجرافي الذي يضع نسبة الطائفة العلوية في 11 في المئة على أحسن تقدير، ليبقى الخيار الأخير في حال رفض الأسد التنحي، الاستمرار في القتال بمساعدة خبراء إيرانيين وبدعم الأسلحة الروسية، وهو ما يرجح جر المعركة لأمد طويل.