أعبّر هنا كخليجي عن وجهة نظري في العلاقات القائمة بين دول الخليج العربية وجارتنا الدائمة والأبدية إيران، لعلّ وعسى يزول اللبس الحاصل لدى بعض المتحمّسين في دول "الربيع العربي" لمدّ جسور الصداقة مع إيران. إذ كلما ظهرت على السطح بوادر تقارب بين دول عربية وبين جمهورية إيران، انقسمت النخب هناك ما بين مؤيد ومعارض. ويرى الفريق المؤيد أن العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج وإيران كانت على ما يرام تقريباً وفي أغلب الأوقات، حتى في سنوات حرب الخليج الأولى، وإبان أخطر التجاوزات من الجانب الإيراني، وربما لم تتدهور تلك العلاقات إلا في مرات قليلة، ولفترات محدودة، كتكريس إيران احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، وتدخلها في أحداث البحرين، واكتشاف شبكات التجسّس الإيرانية في الكويت. كما أن هناك جاليات إيرانية كبيرة تقيم في معظم دول الخليج وتحصل على كافة الامتيازات والتسهيلات التي يحصل عليها أي مقيم على أرض الخليج. فما الذي يمنعنا، كدول عربية، من إقامة علاقات صداقة مع الجانب الإيراني ما دام "أصحاب المشكلة" أنفسهم يقيمون علاقات ودّية أو شبه ودّية مع إيران؟ ويمكن القول إن وضع الدول الخليجية مع إيران يشبه وضع دول الطوق العربي مع إسرائيل، وهي الأردن ولبنان وسوريا ومصر. فكما أكلت إسرائيل فلسطين فإن إيران احتلت جزراً تابعة للإمارات، وأكلت دولة كبيرة مثل العراق. وأنا القابع في بيتي لا تهمني الغابة التي خرج منها الضبع المتربّص بأولادي، وكل ما يهمني أن هناك ضبعاً يحوم حول بيتي. وإذا كنا كعرب نخشى حلم إسرائيل الكبرى، فإننا كخليجيين لا نستطيع أن ننام ملء جفوننا ونحن نرى محاولات تصدير الثورة طوال 30 سنة من الدهاء والمغالطات ورفع الشعارات. ومع هذا، فإنه لا يمكن تشبيه إيران بإسرائيل في نهاية المطاف، إلا أن فكرة الطوق العربي والخليج العربي، أي القرب الجغرافي والجيرة الحدودية، تبقى واحدة، مع ارتباط هذا كله بأفق مستقبل الإقليم. فدول الطوق تتحمّل التزامات معينة نظير جيرتها مع إسرائيل، سواء رغبت في ذلك أم لم ترغب، فما دامت هناك حدود مشتركة، فمن الطبيعي أن يكون هناك نوع من التعامل والعلاقة والتفاهم بينها وبين إسرائيل، مهما كان مستوى ذلك التعامل وحرارة تلك العلاقة وطبيعة ذلك التفاهم. لكن الذي سيبدو غير طبيعي هو وجود علاقات بين إسرائيل وبين دول عربية لا تربطها بها أية حدود مشتركة، خصوصاً في ظلّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي، والتجاوزات الإسرائيلية، وعدم التوصّل لحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية. ويمكن تصوير الأمر على النحو الآتي: هناك طريق وعر يربط بين إسرائيل ودولة عربية مجاورة لفلسطين، فتأتي دولة لا ترتبط بحدود مع فلسطين، وتقيم جسراً يمر فوق ذلك الطريق الوعر. وفي ظل استمرار الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية، والتجاوزات الإيرانية في البحرين، وعدم التوصّل لحل مع الجانب الإيراني في قضايا التدخّل في الشأن الخليجي، وتغذية الاضطرابات الطائفية، وإطلاق التهديدات بين الحين والآخر... فإن "قفز" الدول العربية على هذه العوائق والتقارب مع إيران، سيبدو كأنه جسر فوق طريق وعر.