مناورات خطرة في شرق آسيا... والتكامل الأوروبي خيار بريطانيا الوحيد التوتر في بحر الصين الشرقي، وطبيعة العلاقة بين الحزبين الرئيسيين في الائتلاف البريطاني الحاكم، وتداعيات الفيلم المسيء للمسلمين، وأهمية التكامل الدفاعي والمالي بين بريطانيا وأوروبا... موضوعات نسلط عليها الضوء ضمن عرض أسبوعي للصحف البريطانية. مناورات سياسية "الهند والصين: أشباح الماضي"، هكذا عنونت "الجارديان" افتتاحيتها ليوم الاثنين الماضي، مسلطة الضوء على النزاع بين الصين واليابان حول بعض الجزر غير المأهولة الواقعة في بحر الصين الشرقي. ترى الصحيفة أنه رغم أن العلاقات التي توترت بين البلدين بشدة خلال الأيام الماضية، فإن المتوقع هو أن تعود تلك العلاقات إلى طبيعتها خلال فترة وجيزة، وذلك إذا ما تركت لشأنها، وهو ما يرجع لأسباب من أهمها تلك الخاصة بالمصالح الاقتصادية: فالصين أكبر شريك تجاري لليابان، حيث وصل حجم التجارة البينية بينهما إلى 345 مليار دولار في العام الماضي، لكن المشكلة أن تلك النزاعات قلما تُترك لشأنها، فهناك اعتبارات سياسية أخرى تكمن وراء المظاهرات العارمة التي اجتاحت الصين وطالت العديد من المصالح الاقتصادية اليابانية فيها، وهي اعتبارات أكثر تعقيداً مما قد يلوح على السطح للوهلة الأولى. وتوضح الصحيفة ما تقصده بقولها إن المظاهرات المدعومة ضمناً من قبل السلطات الصينية هي وسيلة مفيدة تستغلها تلك السلطات كأداة لجعل الجماهير تنفس عن غضبها المكتوم تجاه العديد من السياسات التي تتبناها الحكومة الصينية. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إن السلطات الصينية ترى في تلك المظاهرات وسيلة لصرف أنظار الشعب عن المناورات السياسية التي تدور في أروقة الحزب في إطار عملية نقل السلطة بين الأجيال المختلفة داخل الحزب. وتلك الاعتبارات السياسية لا تنطبق على الصين فحسب، بل تنطبق على اليابان كذلك التي يقترب فيها موعد الانتخابات العامة. فرئيس وزرائها "يوشوهيكو نودا"، الذي يفتقر إلى الشعبية بسبب عديد من السياسات التي اتخذها ومنها رفع الضرائب على سبيل المثال، يرى أن الإقدام على الخطوات الأخيرة التي اتخذتها حكومته حيال تلك الأزمة عندما تدخلت لشراء تلك الجزر من مجموعة من الوطنيين، يوفر له فرصة لا بأس بها للرد على الاتهامات التي تتهم حكومته بالضعف وعدم القدرة على اتخاذ خطوات قوية من أجل الحفاظ على سيادتها للجزر، وكذلك تحسين صورته، وتعزيز حظوظه الانتخابية. الظاهر والباطن "هل الحكومة الحالية هي آخر حكومة ائتلاف بريطانية؟"، هكذا تساءل "ستيف ريتشاردز" في مقاله المنشور في "الإندبندنت" يوم الاثنين الماضي، الذي يرى فيه أن الأمر الملفت فيما يتعلق بحكومة الائتلاف البريطاني الحالية أن العلاقات بين الحزبين المكونين لها وهما حزب "المحافظين" الذي يقوده ديفيد كاميرون وحزب "الديمقراطيين الأحرار" الذي يقوده "نك كليج" لا تمضي على نحو سيء وإنما تمضي على العكس من ذلك على نحو لا بأس به حتى الآن على الأقل. ولكن هذه القدرة على الاستمرار والمواصلة التي تبدو بها تلك الحكومة على السطح لم تتمكن على الرغم من ذلك من إخفاء هشاشة تلك الحكومة الكامنة، وهذا الأمر على وجه التحديد هو ما يدفعه للاعتقاد بأن هذه الحكومة تمثل ظاهرة غريبة، حدثت هذه المرة ولكنها لن تتكرر مرة ثانية في حقل السياسة البريطانية. للتدليل على صواب رأيه يستشهد الكاتب بحوار أجراه مع "نك هارفي" وزير الدفاع البريطاني السابق في برنامج "أسبوع في ويستمنستر" على محطة راديو-4 والذي قال أثناءه الوزير إنه يعتقد أن حزب "الديمقراطيين الأحرار" سيكون أكثر حرصاً قبل التفكير في الدخول في حكومة ائتلاف وطني مرة ثانية. وأن المشكلات التي يعاني منها "الديمقراطيون الأحرار" في إطار الائتلاف الحالي ترجع إلى أنهم دخلوا في الائتلاف بسرعة ودون إجراء المفاوضات والتفاهمات اللازمة، وهو ما مثل خطأً جسيماً من جانبهم، لأن نجاح أي ائتلاف كما تثبت تجربة الدول الأوروبية الأخرى، يعتمد على اتفاق أطرافه مقدماً على السياسات التي سيتم اتباعها طول مدة ولاية الائتلاف، وعلى أن تتم تلك المفاوضات عقب الانتخابات مباشرة وقبل تولي المسؤولية، وهو ما لم يحدث في بريطانيا، وما يجب على الحزب أن يراعيه في الانتخابات القادمة التي يعتقد قادة الحزب أنها ستنتهي إلى "برلمان معلق" أي برلمان لا يكون لحزب معين فيه أغلبية مطلقة . رأب الصدع بدأ "ديفيد بلير" مقاله المنشور بعدد "الديلي تلجراف" يوم الأحد الماضي تحت عنوان: صدامات الشرق الأوسط تظهر مدى اتساع الصدع بين الشرق والغرب" بالإشارة إلى مفارقة وهي أنه وسط المظاهرات العنيفة التي اندلعت ضد الولايات المتحدة على خلفية الفيلم المسيء للإسلام، وفي الوقت الذي كانت بعض سفاراتها يتعرض للاقتحام، ويتعرض السفير الأميركي في بنغازي ومع ثلاثة من أفراد السفارة للقتل، فإن الرئيس الأميركي اكتفى بالاتصال ببعض زعماء البلدان التي شهدت تلك المظاهرات عن طريق الهاتف على الرغم من جسامة وخطورة تلك الأحداث، والتي تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك صدعاً كبيراً لا يزال قائماً بين أميركا والعالم الإسلامي، وأن الاختلاف في نظرة الاثنين للعديد من القضايا قد وصل إلى حد يهدد الانسجام العالمي. ويوجه الكاتب انتقاداً شديداً للموقف الذي اتخذه الرئيس المصري محمد مرسي والذي عبر عنه في المحادثة الهاتفية التي دارت بينه وبين أوباما حيث اكتفى الرئيس المصري بالتعبير عن غضبه من الفيلم والتأكيد على أن المسلمين لن يسمحوا أبداً بالمساس بنبيهم، متناسياً أن أوباما نفسه كان قد قال كلاماً مشابهاً لذلك وأنه كان ينتظر من مرسي أن يتخذ موقفاً آخر يقوم على تبريد الوضع، ومخاطبة الجماهير الغاضبة من أجل تهدئتها وإثنائها عن استمرار المظاهرات ضد السفارة خصوصاً وأن مرسي رجل يجيد الإنجليزية وحصل على الدكتوراه من الولايات المتحدة وعمل في جامعتها لعدة سنوات كما ولد اثنان من أبنائه هناك ويحملان جنسيتها وبالتالي فإنه يدرك أكثر من غيره أن ترشيد حرية التعبير وهو قيمة من القيم المهمة في الغرب يحتاج إلى وقت طويل وأن هذا ليس هو الأمر العاجل . ويرى الكاتب أن الفجوة بين الشرق والغرب وبين أميركا والعالم الإسلامي لا ترجع فقط إلى الصور النمطية الخاطئة التي كونها الغرب عن الإسلام، وإنما ترجع أيضاً إلى خطأ في الإدراك من جانب العالم الإسلامي الذي عليه أن يدرك أن قيمة مثل حرية التعبير ليست من القيم التي يتم التخلي عنها بسبب مظاهرات تقوم هنا وهناك حتى لو اتخذت طابعاً عنيفاً. الخيار الوحيد "في الدفاع- كما في المالية- الحقيقة واضحة وهي أن مستقبلنا يكمن في أوروبا"...كان هذا هو عنوان مقال "ويل هتون" المنشور في "الأوبزرفر" يوم الأحد الماضي، والذي يرى فيه أن مصير أهم صناعتين بريطانيتين في الوقت الراهن وهما الصناعات الدفاعية والصناعة المالية قد بات مربوطاً بمصير الاتحاد الأوروبي، وأنه ليس هناك من خيار آخر أمام بريطانيا، وأن هذا هو الوسيلة الوحيدة لتطوير هاتين الصناعتين وحفاظ بريطانيا على موقعها المتميز في منظومة في العالم المعاصر. بيد أن الكاتب يرى أن طريق بريطانيا لذلك لن يكون ممهداً، وأن هناك الكثير من العقبات، التي ستعترضها، ومنها أن بداخلها تيار قوي يتشكك في جدوى أي تعاون أو تقارب مع أوروبا ومع الاتحاد الأوروبي، وهو تيار يمكن أن يدعو إلى استفتاء يعارض به اتجاه الحكومة البريطانية للانضمام للاتحاد الأوروبي لتوجه الأوروبي ويكسبه. ولكن الكاتب يدعو مع ذلك إلى ضرورة العمل في هذا الاتجاه، لأن هذا هو الخيار الوحيد والأفضل لبريطانيا. إعداد: سعيد كامل