مع اقتراب نهاية المئة يوم الأولى من ولاية الرئيس المصري محمد مرسي تكثر التحليلات الصحفية والحواشي على صفحات التويتر والمدونات "البلوغات" وأعمدة الرأي عن مدى تطبيق الرئيس الإسلامي للوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية، ووفقاً لموقع إلكتروني (مرسي ميتر) تم إنشاؤه من ناشطين مصريين لتقييم ما أنجزه الرئيس المصري من خطة في المئة يوم الأولى التي تعهد بها قبل أن يتم تنصيبه رئيساً "فقد مرت على إعلان تنصيب مرسي منذ 30 يونيو الماضي تسعون يوماً، حقق فيها أربعة وعود، وجارٍ تنفيذ أربعة وعشرين من أصل أربعة وستين وعَدَ بها، وتتعلق بالأمن والمرور والخبز والنظافة والوقود، كما بلغت نسبة الموالين لسياسة الرئيس المصري حسب الموقع نفسه 43 في المئة واعتراض 53 في المئة". وهناك تحليلات أخرى عن مدى فاعلية الجولات الخارجية التي قام بها في كل من السعودية وإيران والصين والولايات المتحدة الأميركية وبلجيكا وإيطاليا وإثيوبيا، وهل لم يكن بالإمكان أن يقوم بها شخص آخر كنائب رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية وخاصة أن بعض الاجتماعات في بعض المنظمات مثل عدم الانحياز تكون بدون جدوى... أسئلة وسيل من الانتقادات يرددها من هب ودب ليس في مصر لوحدها ولكن في كل الدول العربية التي عرفت حكومات جديدة، وبإمكاننا أن نسرد هنا المئات من الأمثلة... معروف في أدبيات وتاريخ العلوم السياسية المقارنة أن الشعوب لا تصبر كثيراً في الانتقالات الديمقراطية خاصة في المجال المعيشي اليومي، ولذا نرى بعض النظريات التي كانت سائدة في ستينيات القرن الماضي مع "هنتنغتون" وآخرين تقول بضرورة تقوية النظام السياسي قبل كل شيء، لأنه بوجود سلطة سياسية هشة ونظام اقتصادي مبتدئ ستسقط الدولة. ومع مرور الزمن اكتشف منظرو هذه الأقاويل محدوديتها لأنه قد يتقوى النظام السياسي ويتسلط ويكون سبباً في نظام اقتصادي منهار بسبب عدم إعمال الآليات التي لا تتماشى إلا مع نظام سياسي ديمقراطي، وأمثلة مصر وتونس وليبيا واليمن في أنظمتها السالفة أفضل مثال على ذلك. ولكن عندما تأتي حكومة ديمقراطية خرجت من صناديق الاقتراع، فإنه سرعان ما يكتشف الحاكم والمحكوم مسألتين اثنتين: - أن الزعماء يستحيل أن تكون عندهم عصا سحرية يغيرون بها عقوداً من السلطوية وما استحكم في النفوس من عادات وفي التسيير من مغالطات وفي الاقتصاد من ضروب من الريع، وما استحكم في الدولة من أجهزة تراقب إحداها الأخرى حيث تكون الموالاة للأفراد لا للمؤسسات وما يترتب على ذلك من انتشار للفساد والمحسوبية والرشوة، هذا إذا كانوا متمرسين على السلطة وعلى التسيير ويملكون كفاءات توضع فيما هي مؤهلة له في قطاعات الدولة، أما إذا لم يكونوا متمرسين فإن مصالح البلاد والعباد تضيع وسترجع الدولة إلى الوراء... فالوعود التي يقطعها المرشحون في الانتخابات غالباً ما تصطدم بالواقع السياسي والاقتصادي والواقع الإقليمي المحيط بالدولة. - إن الشعوب تريد نتائج في الحال وينفد صبرها بسرعة فائقة، فقد عانت من مرض عضال دام لعقود وتظن أن الطبيب الجديد الذي يتربع الآن في دوائر الحكم له وصفات سحرية قابلة للتطبيق. هذا هو المشكل... وما وقع في مصر وتونس زلزال سياسي شبيه بالزلازل الأرضية التي ترى فيها المساكن والقوم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، وتحتاج إعادة البناء إلى سنوات من الجد والصبر والموارد وسعة الصدر، وكل فرد يكون مسؤولاً عن بناء بيته ومدينته ووطنه... هذا ما تحتاج إليه دول ما بعد "الربيع العربي"... أما أن نسمع ونقرأ مثلاً أن قوى سياسية معارضة كالتحالف الديمقراطي الثوري الذي يجمع عشرة أحزاب وحركات يسارية واتحاد شباب الثورة عازمة على تنظيم "مليوينة الحساب" في ميدان التحرير وكل المحافظات يوم 12 أكتوبر بمناسبة انتهاء مدة المئة يوم الأولى لرئيس الجمهورية وتقديم كشف حساب عنها، فهذا من باب اللامسؤولية وكان الله في عون الرئيس مرسي. المطلوب من المرحلة الراهنة بناء وعي سياسي ووعي ثقافي ووعي حزبي ووعي ديمقراطي عند الحاكم والمحكوم حتى يفهم كل واحد الفرق بين منطق السياسة ومنطق الحزب ومنطق الدولة. الوعي السياسي يُفهم الجميع أن الشعارات الرنانة والمدوية لا تنفع في تسيير الشأن العام. والوعي الثقافي يجعل الخاص والعام يفهم أن المطلوب اليوم هو كيفية إدارة وتسيير الشأن العام وليس العلاقة بين الدين والدولة، فالدين بخير ولله الحمد والزج به في متاهات السياسة خطر على الدين وخطر على السياسة، وهذا الوعي الثقافي هو الذي يقوي الوعي الحزبي ويجعل الشباب والكهول والرجال والنساء يفهمون أن الحزب هو إطار يجسد المشاكل المجتمعية والمشاكل الاقتصادية للمجتمع في حلول سياسية ويتبارى من أجلها داخل المجال السياسي العام بقصد الوصول إلى كرسي الحكم وتجسيدها في حلول مُرضية، والوعيان الأخيران -الحزبي والديمقراطي- يجعلان الإنسان يشعر بالأولويات داخل المجتمع، والله لو حصل هذا الوعي لسمعنا مثلاً بمليونية عن التعليم بدل أن نسمع عن مليونية الحساب. آخر الكلام: قد يتساءل أحدهم عن الشباب الذين كان يراهم في ميادين التحرير إبان الثورات الصاخبة: أين هم؟ فقد رجعوا من حيث أتوا وقد يرجعون إلى تلكم الميادين مرة أخرى وستكون كارثة والأجدر بهم أن يطرقوا أبواب الأطر السياسية ويلجوا قواعدها وأجهزتها لتغيير المجتمع والسياسة والاقتصاد من الداخل ويتدربوا على التسيير والمواطنة والمسؤولية وهذا هو المنحى الذي يربي الناس على منطق الدولة.