استخدام المسلحين للمدن والمناطق المدنية المأهولة بالسكان كملاذ وملجأ للاختباء والاحتماء بالمدنيين، هو نوع من الإرهاب المقزز، بل هو أقبح أنواع الإرهاب بحق الأبرياء الآمنين·· وهو لا يقل إجراما عن التحصن والتمترس في دور العبادة والأماكن الدينية، سواء كانت إسلامية أم مسيحية· وخلال معارك ''كسر العظام'' التي شهدها شارع حيفا في بغداد وكذلك الأحياء السكنية في مدينة الفلوجة ضد المسلحين التابعين للإرهابي العتيد ''أبو مصعب الزرقاوي'' خلال الأيام الماضية، انكشف للجميع أن هؤلاء المسلحين لم يتوانوا أبدا عن التمركز بين الأحياء السكنية، اعتقادا منهم أن مجرد وجودهم بين المدنيين سيوفر لهم الملاذ الآمن وسيكونون في مأمن عن قذائف الطائرات والصواريخ الموجهة إليكترونيا· وقد أعاد إرهابيو ''الزرقاوي'' إلى الأذهان تمترس مسلحي مقتدى الصدر في الصحن الحيدري وفي مسجد الإمام علي كرم الله وجهه بالنجف الأشرف خلال مواجهات أغسطس الماضي·
وبالأمس كشفت السلطات العراقية عن القبض على أكثر من 120 مسلحا ينتمون إلى بعض دول الجوار العراقي، ومخابئ للأسلحة، بعضها ثقيلة، وسط حي سكني مزدحم في شارع حيفا وسط بغداد·· وفي مدينة الفلوجة لم يكن الوضع أقل خطورة، ذلك لأن جماعة الإرهابي ''الزرقاوي'' الذين سقط منهم العشرات في المواجهات الأخيرة، ظنوا للوهلة الأولى أن وجودهم وسط المدنيين يؤمن لهم البقاء أحياء والتحرك بحرية، غير عابئين بمنطق الحرب الذي لا يفرق بين مدني وعسكري ولا بين مسلح أو أعزل عند نشوب مواجهة مسلحة·
ومثل هذه الأفعال الخسيسة لا تتعارض فقط مع مبادئ جميع الشرائع السماوية، بل تدل على الوضاعة والجبن، فمن يعجز عن المواجهة المباشرة، لا يتردد في استخدام العزل من المدنيين الأبرياء، فيختبئ وراءهم، ثم يبدأ بإطلاق النيران على جيش مستفز أصلا ولديه الاستعداد لفعل أي شيء للدفاع عن نفسه·· فإما السكوت على تلك الميليشيات لتفعل ما تشاء من عبث وفساد وقتل وسفك للدماء، أو مواجهتها بالقوة المسلحة، وبالتالي إصابة الأماكن المأهولة بالسكان!
وأمام هذه الأفعال المشينة لميليشيات ''الزرقاوي'' وغيره من الذين تسللوا في الظلام والخفاء إلى العراق ليعيثوا فيه فسادا، لا بد من رجال الدين الذين يفتون بمناسبة وبدون مناسبة، من التدخل لإصدار فتوى تنفع المؤمنين وتحفظ للإسلام كرامته وتدعو المسلحين الذين يتقنون فنون العبث وإرهاب الآمنين، إلى الشعور بقليل من الخجل والحياء، والابتعاد عن الأحياء السكنية والمدن والمدنيين العزل·